وفي سابقة خطيرة، قيام ماسمي (إسرائيل)، كان من نتيجتها إحداث نكبة مريرة لشعب فلسطين بكامله، بين التهجير القسري، والقتل الفردي والجماعي.
ومنذ ذلك اليوم المشؤوم، ما زالت القضية تزداد تعقيداً بأبعادها الإنسانية والوطنية، بسبب تمادي هذا الكيان المصطنع بجرائمه وعدوانه ضد الشعب العربي عامة والفلسطيني خاصة، ورفضه كل القرارات الدولية التي تدين ممارساته، وتطالبه الالتزام بتسوية عادلة تعيد الحقوق الى الشعب الفلسطيني، ولاسيّما تطبيق القرار(194) الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
لقد عملت الحركة الصهيونية منذ مؤتمر«بال» في سويسرا 1879، بزعامة/تيودور هرتزل/ مؤسس الحركة الصهيونية العالمية على ترجمة الفكرة الصهيونية «أرض الميعاد» إلى واقع ملموس، حتى جاءت الحرب العالمية وحصل الصهاينة على ذلك الوعد المشؤوم «وعد بلفور» عام 1917، الذي يتعهد صراحة بإقامة دولة يهودية (إسرائيلية) استيطانية على الأراضي الفلسطينية، ولم يكن عدد اليهود في فلسطين آنذاك يتجاوز (مئتي ألف) مقابل ملايين العرب الفلسطينيين.
لكن«عصبة الأمم1920»، دعمت الفكرة الصهيونية في إقامة كيان إسرائيلي في فلسطين، حين أقرت بوعد بلفور وضمنّته في نص (صكّ) الانتداب البريطاني على فلسطين، الذي تعهّد بتنفيذ هذا الوعد، من خلال السماح بتدفّق العصابات الصهيونية الإرهابية والمهاجرين اليهود/الصهاينة، بأعداد كبيرة إلى فلسطين، أدى إلى اختلال التوازن السكاني بين العرب غير المهجرين واليهود المستوطنين، فكان ذلك ذريعة لإعلان قيام الكيان الصهيوني- الإسرائيلي في (15 أيار 1948) على الأرض الفلسطينية المستباحة بدعم بريطاني، وباعتراف دولي غير شرعي من الأمم المتحدة، مقابل إلغاء الكيان العربي/الأصلي في فلسطين..!! فكان ذلك خطأ جسيماً ارتكبته الأسرة الدولية، لم تستطع تصحيحه حتى الآن.
وخلال الفترة الطويلة من الصراع العربي/ الإسرائيلي، والممارسات العدوانية الإسرائيلية على العرب، واحتلالها أراض عربية بالقوة العسكرية، كما حدث في حرب حزيران 1967، صدرت عشرات القرارات الدولية المستنكرة من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، مطالبة الكيان الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي التي احتلها وإنهاء حالة الحرب ، وإحلال السلام في المنطقة، وأبرزها القراران (242 و338) ومبدأ الأرض مقابل السلام، الذي أقره مؤتمر مدريد عام 1991. ولكن (إسرائيل) تمردت على هذا المجتمع ولم تستجب إلى أي من قراراته سواء بإنهاء حالة الصراع أم بحلّ المشكلة الفلسطينية، وذلك لأنها تلقى الدعم المطلق من الإدارات الأميركية المتعاقبة داخل المؤسسة الدولية وخارجها.
وفي عام 1975 اعترف المجتمع الدولي ب «منظمة التحرير الفلسطينية»، ممثلا شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، واكتسبت السلطة الفلسطينية شرعيتها، وأصبح لها ممثلون في المنظمات العربية والإقليمية والدولية، تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وعلى الرغم من ذلك فإن (اسرائيل) لا تزال تراوغ في مواقفها للتنصل من التزاماتها تجاه السلطة الفلسطينية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، متنكرة لكل الاتفاقات التي عقدتها مع هذه السلطة، ولا سيّما (أوسلو وشرم الشيخ)، لا بل تتمادى في التوسّع الاستيطاني، مقابل تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني. وهذا ما حدث في حصار غزّة منذ العام 2006، والعدوان الوحشي في نهاية العام 2008، إضافة الى محاولات تهويد القدس، وزرع المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية كافة، في ظل دعم أميركي لا محدود وصمت دولي شبه مطبق. وهذا ما زاد من تعنّت الكيان الإسرائيلي وضربه عرض الحائط كل المساعي الرامية لحلّ المشكلة الفلسطينية، بما فيها المبادرة العربية التي طرحت في مؤتمر القمة العربية (بيروت 2003).
وليس أدل على موقف الإدارة الأميركية من تلك الإعلانات والتصريحات المتتالية، لهذه الإدارة التي تؤكد التزامها المطلق بأمن (إسرائيل) وتشرعن ممارستها العدوانية ضد الشعب العربي، مقابل إدانتها لأعمال المقاومة الفلسطينية التي تتهمها بالإرهاب والاعتداء على المدنيين(الإسرائيليين). وآخر هذه التصريحات تبني الإدارة الأميركية إنشاء دولة (يهودية) الهوية في فلسطين، وهذا يعني تجاهل وجود الشعب العربي الفلسطيني وحقه في العودة الى وطنه، والعيش في دولة مستقلة اغتصبت وطرد منها ظلماً وعدواناً.
فإذا كانت المعطيات السابقة تشير الى أن إسرائيل ليست مستعدة للسلام، وإنما للتوسع الاستيطاني والعمل العسكري التدميري، على الرغم من تكرار إرسال مبعوثين أميركيين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وإلى بلدان عربية أخرى مثل سورية ولبنان والأردن. وإذا كانت فلسطين ما زالت محتلة بشكل فعلي منذ ما قبل نكبة 1948، والشعب الفلسطيني يعيش في نكبة مستمرة تتصاعد وتيرتها بدلاً من أن تخفّ حدتها، وهو يعاني من أبشع أنواع القهر والتجويع والتدمير، في عالم متحضر يدّعي الحرية والعدالة والديمقراطية، أما آن الأوان لكي تقف الأسرة الدولية وتنصف هذا الشعب وتعيد له حقوقه المسلوبة، بأن تأخذ دوراً أكثر جدية وحزماً، لإلزام (إسرائيل) بوقف ممارساتها الاستيطانية والعدوانية، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف؟ وبذلك تثبت المنظمة الدولية أنها فعلاً تحمي حق تقرير المصير، وتحمي الأمن والسلم في العالم.
فإلى أين ستمضي القضية الفلسطينية في هكذا أوضاع دولية وعربية؟ قد يكون الجواب صعباً، ولكن لا بدّ منه قبل فوات الأوان، وعلى المعنيين عربياً ودولياً أن يتحملوا نتائجه بمسؤولية وشجاعة، ويتخذوا مواقف حازمة تتفق مع الوضع القائم القضية، وينهوا جريمة إنسانية لم يشهد تاريخ البشرية لها مثيلاً، جريمة اسمها «نكبة فلسطين» ويعيدوا للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة دولياً وإنسانياً.