غوين دير «الثمن الباهظ للتسخين المناخي»عام 2008, ونيكولا سيترف «حروب المناخ» عام 2010, وهذه جميعها تتضافر معاً لتشكل نقطة انزلاق خطرة نحو فوهة تفجر كارثة تعم العالم أجمع شرارتها نزاعات وأطماع صماء وعمياء ووقودها سخونة الأرض الشديدة بمقدارخمس درجات مئوية خلال السنين الطويلة المقبلة .
توقعات كهذه تفتقر في الحقيقة إلى طابع الجدية فهي تستند على فرضيات تبسيطية وأخطاء تحليلية جسيمة منها أولاً أن التغيير المناخي سيفضي إلى تقليص حجم الموارد الزراعيةما يمهد لنمو تربة خصبة لتكاثر النزاعات وبؤر التوتر في كل بقعة من العالم .وفي الواقع يستند هذا الاستدلال إلى مغالطتين هامتين تتناقضان تماماً مع ما يحدث الآن كما يعلمنا التاريخ : ففي قارتي أوروبا وأفريقيا كما في آسيا كانت العصور الباردة تقابلها دوماًفترات مجاعات وحروب، في حين أن الأزمنة الحارة هي الفترات الأكثر إيجابية وسلمية ! وبالتالي فإن التأكيد على صحة مقولة: إن تنامي النزاعات في العصور الغابرة مردها نقص الموارد الغذائية ليست مقبولة ولا تصلح في أيامنا هذه على الإطلاق ، ناهيك عن أن تحديث المجتمعات والنمو التجاري العالمي يقلص من أهمية مفهوم «حروب من أجل المياه».
وفي المقابل ، هنالك وقائع كثيرة تدحض هذه الادعاءات و المزاعم حيث تشير إلى تقلص النزاعات إلى النصف تماماً في الوقت الذي تشتد فيه الحرارة المتوسطة العالمية في الحقبة التي تلت نهاية الحرب الباردة بعشرين سنة تقريباً.
وأما الاستدلال الثاني والخاطئ ، فإنه ينطلق من مقولة تؤكد أن ذوبان الجليد وارتفاع مستوى مياه البحر سيفضي حتماً إلى تدفق هائل وغيراعتيادي لجماعات نازحة باتجاه مناطق أخرى تجاور أراضيهم، ما يؤدي لحدوث بؤر توتر ونزاعات كثيرة ، ناهيك عن أن الوضع في جنوب آسيا ، المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم سوف يشكل موضوعاً لمثيرات القلق وأسبابه علماً أن ذلك غير قابل للتبرير أو التسويغ ثم جاء فريق بين حكومي متخصص بدراسة تطور المناخ ووضع في تقريرله عام 2007 مجموعة مقاربات تتعلق بمسألة جليد جبال هيمالايا يفيد بأن ذوبان الجليد فيه لم يتبد للعيان حتى هذه اللحظة ،كما أن تغذية أنهارجنوب شرق آسيا يرتبط أساساً بالرياح الموسمية وذوبان الثلوج الفصلي ، كما أن نقص المصادر المائية في حال حدوثه كما يفترضون نتيجة التغير المناخي في بعض أقاليم آسيا ، أمر لايجيز لنا البتة القول: إن ثمة حروباً مناخية ستندلع تباعاً على امتداد الكرة الأرضية ، فقبل 4500 سنة لم يسبق أن شهد العالم نزاعات اندلعت مباشرة على أساس نقص هذه المصادر.وبالعودة إلى الإدعاء المثير للقلق بخصوص ارتفاع مستوى مياه البحار ، يمكننا القول ببساطة إن الأمر يحدث ببطء شديد (بضع مليمترات في السنة الواحدة ) . فهل من المعقول والحالة هذه أن تتبنى المجتمعات حتى المتقدمة بعض الشيء ادعاء كهذا وعلى أساسه ترمي خلق أفكار وهمية حول حروب وهمية؟! وهل من سبب وجيه يستحق أن يشغل تفكيرنا ويثير قلقنا مجرد نزوح شعب من أراضيه بسبب مصادر المياه والتنبؤ فوراًبأنه سيغزو بغتة وبشكل مفاجئ الأراضي التي أجبر على الزحف إليهابفعل عوامل مناخية...؟!
وماذا بخصوص أزمة دارفور ؟ في الواقع لم يسبق لأحد أن عرف بها كما فعل سكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون عندما قال بأنها مثال حي «الحروب المناخية» المستقبلية ، وإن كان هذا حال لسانه فمن المعيب جداً اختزال أزمة كهذه بـ «حروب مناخية»والتي تبدو عصية على كل تسويغ أو تبرير ... ولعل عامل الجفاف في هذا الإقليم قد بدأ قبل ثلاثين سنة من اندلاع النزاعات الحالية فيه . وفي النهاية لا بد من القول: إن التسويغ إياه إن دل على شيء فإنما يدل حتماِ على سوء خلق مبتكره وقد اتخذه ستاراً سميكاً وكتيماً به يحجب عن أعين المراقبين مسؤولياته الجزئية حيال المجازر البشعة الحالة فيه ....
في دار فور كما في مناطق أخرى كثيرة ، استطاعت التطورات المناخيةونتائجها على استقرار المجتمعات أن تأخذ في الحسبان سلسلة العلات الغائية المسؤولة أيضاً عن اندلاع النزاعات ، ولكن ذلك لايجيزلنا قط استخراج نتائج حتمية من خلالها . فالحروب تولد قبل كل شيء من خيارات وأخطاء بشرية .
ولعل طريقة وأسلوب تكيف البشرية مع التغيرات المناخية مهما تعددت أسبابها تشكل موضوعاً غاية في الجدية بحيث يفترض بنا ألا نتركه فريسة بين أصابع من يرسمون نبؤات شريرة ومأساوية يفرشونها في كل حدب وصوب
بقلم بيرنو تيرتري