بدأنا ندرك شيئاً فشيئاً أن تلك الفضائيات وأخبارها المدبرة بعناية لا تقوم بعمل إعلامي بل تسعى إلى التأثير في مسار الأحداث من خلال وسائل افتراضية متقنة ممثلة في ذلك ضرباً غير مسبوق في الشمولية التي تعبث بالرأي العام، وكان من السهل علينا أن نكشف أن البيانات تخضع إلى معالجة وفرز يشوه معناها ويزوره.
وتضيف: أنقل هنا وجهة نظر مدونة تدعى نور كتبت في 14 نيسان: «أعتقد أنه من السذاجة بمكان تصديق أن هذه الثورات «العربية» مع وسائط الإعلام العربية» ترسل ببساطة لقطات فيديو وتثبت خبراً لا تستطيع التحقق منه والتأكد من صحته هم ليسوا مجرد هواة يرتكبون الأخطاء في كل لحظة بل هذا يشكل جزءاً من حملة منظمة ومركبة لتحريض الناس على العنف والحقد لذلك فإننا ضدها كلياً وكذلك ضد كل أولئك الذين ينظمون ألغاز هذه الأحجية أما بالنسبة لبعض المحتجين الحقيقيين فأنا قبلت بعضاً من مطالبهم لأنها مشروعة وأؤكد حقهم بالتظاهر السلمي وأدين أي عنف «وكل عنف» يستخدم ضد المحتجين السلميين ومع ذلك لا أعتقد أنه يتحتم علي أن أدعم كل شخص يعارض الحكومة لمجرد أن يكون معارضاً لها ولا أؤيد استخدام الأساليب غير الشريفة والملتوية لمقارعة النظام لأن الناس الذين يستخدمون أساليب كهذه ليسوا أفضل.
وتقول الأم دولاكروا: قمنا بجمع شهادات من أصدقائنا في دمشق وزملكا وجوبر والعباسيين والتجارة والقصور والكباس والدويلعة والزبلطاني وسوق الهال وسقبا والغوطة (المرتبطة بالمخيمات الفلسطينية التي تقوم بتجارة رابحة بالأسلحة) أو درعا والسويداء واللاذقية والساحل أو الجزيرة ونلاحظ السيناريو ذاته بنسبة أكثر أو أقل يكون «الناس» الشبان والكبار على حد سواء مضطربين عند خروجهم من المساجد أو عند أي مناسبة أخرى فيتقدم البعض في تظاهرة سلمية وفي قلب الحشد تكون هناك جماعات منشقة عن الجمع وتكون البداية لرفع حدة التوتر.
والشعارات تصبح أكثر عنفاً وتطرفاً ويحرقون السيارات ويعتدون على المارة وليس كل المتظاهرين يعلمون بهذه الاعتداءات التي ستجري في جانب من جوانب التظاهرة وفي لحظة معينة يقوم قناصة متمترسون على الأسطح أو أناس مسلحون داخل الحشد بإطلاق النار تارة على قوات حفظ النظام وتارة على المتظاهرين وهنا بيت القصيد ومشاهد الفيديو تلتقط في هذه اللحظة لاتهام قوات حفظ النظام أنهم أطلقوا النار مجاناً على حشد سلمي وعندنا في قريتنا في القلمون حدث الأمر على نطاق ضيق ونحن نريد إصلاحات ولكن ليس بهذا الشكل المليء بالتلاعب والفوضى والبعيد عن البراءة فالمرتزقة تتحرك في كل مكان وابن عم عامل تقطيع الحجارة لدينا «المستخدمة في ترميم الدير» كان ذاهباً إلى المطعم قبل أربعة أسابيع ومرت سيارة دون لوحة من قربه وأردته قتيلاً وقطعوه إرباً إرباً وفي دير عطية وهي تبعد عنا أربعة كيلو مترات أطلقت مجموعة مسلحة النار على المطعم الأكثر تميزاً وتضرر العديد من المتاجر وقبل فترة جرى اعتراض جرار يحتوي على أسلحة ومر أمام الدير الذي يقع على طريق التهريب على حافة القرية.
وكي نحاول فهم مخاطر الوضع القائم في سورية والشرق الأوسط دعونا نضع الأحداث في إطارها الزمني في الماضي وفي الحاضر.
فبالنسبة للماضي لابد من العودة إلى الذاكرة لنفهم حجم المحنة الطويلة التي نجد أنفسنا فيها في الشرق الأوسط وأي متاهات وجدت شعوبنا نفسها فيها من خلال الانخراط في تحالفات إزاء تحالفات مضادة بسبب النزاع العربي - الإسرائيلي الذي لم يحل بعد بل تعقد مثل نخر صديدي على حسابنا فمنذ قيام إسرائيل ونحن في حالة مستمرة من إعادة التموضع الجيوسياسية على رقعة شطرنج الدبلوماسية والسياسة العالمية بفعل ضربات الأفعال وردود الأفعال المفاجئة.
وكانت سياسة الخطوة الصغيرة للسيد كيسنجر تسببت بتقسيم قبرص والذبح الطائفي في لبنان وفي الخلفية كان سقوط الشاه وبروز الجمهورية الإسلامية ثم اختراع السلفيات وتفجير مركز التجارة العالمي ثم الحرب على أفغانستان والعراق وبشرونا بشرق أوسط جديد من خلال فوضى خلاقة بعد احتلال العراق فكم من الدم والضحايا والتدمير؟ وأي فوضى وبؤس وسيارات مفخخة حتى الآن... دون أن ننسى التوزيع السري والخبيث للسكان الذي يسعى كما في لبنان وقبرص والبلقان والعراق إلى تقسيم الجغرافيا إلى كيانات ضعيفة يهيمن عليها التمذهب الطائفي.. لكي تتحقق في أعلى درجاتها وقوتها نظرية صدام الحضارات لصموئيل هانتنغتون ..
وفجأة تصبح القوى العظمى مهتمة جداً بحقوق الإنسان في بلادنا أولم تتحالف وتتعاون بفضل مصالحها المعلنة وغير المعلنة خلال عقود مع الأنظمة التي نبذت وبادت اليوم؟ «الحاضر» وراء صخب الأحداث وقعقعة السلاح والشعارات الزائفة الإنسانية ظهر بشكل حقيقي «التحريض المذهبي» وفجأة يصبح قادة العالم مهتمين بمبادىء الديمقراطية عندنا لتكريس عبارات مثيرة للعواطف تسوغ مبدأ التدخل الإنساني.
وأيضاً من جانبنا نحن بعيدون كل البعد عن الاعتراف بأن التظاهرات التي تغزو العالم العربي عموماً وسورية على وجه الخصوص هي بوادر الربيع بل على العكس لأننا لا نرى فيها سوى عمل نحو فصل شتاء قاس لوضعنا في تشكيلة جديدة يرضى عنها سادة العالم والدليل واضح ونقرأ في صحيفة لوفيغارو في 18 نيسان الماضي أن الولايات المتحدة مولت المعارضة السورية ولاسيما حركة العدالة والتنمية بمبلغ 6 ملايين دولار منذ عام 2006 أي أيام جورج بوش واستمرت التمويلات لها مع إدارة الرئيس أوباما.