تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مـــــــاذا ســـــأكـتـــب ؟!

رسم بالكلمات
الأثنين 16-5-2011م
ديانا أحمد الشمالي

نظرت من نافذة غرفتي التي بدت صغيرة للوهلة الأولى, هكذا شعرت عندما نظرت منها إلى سماء واسعة وبيوت متفرقة صغيرة, وحيث مظلة تحمي طفلاً ذاهباً إلى المدرسة من أمطار غزيرة.

بالقرب من النافذة الخشبية, أتأمل كل قطرة مطر تضرب الزجاج منبهة القلب والفكر بعطاء و خير, أمسكت قلمي علّني أكتب عن فرحة جدي الكبيرة في هذا الجو, أعرف ماذا سيقول ويفعل عندما يرى المطر و يراقب أشجار أرضه كيف تتماوج وترقص مع الرياح الباردة.. سيكون مثل طفل تقدم له دمية, أو علّني أكتب عن جدتي التي تحوك ثوباً جديداً لأحد أحفادها, أو ربما عن أمي التي تحمل هماً كبيراً, فالآن سيعود أبي من عمله, سوف تنتظره عند الباب ليقوم بخلع حذائه وثيابه المبللة، لطالما قالت له إن الجو غائم, فخُذْ المظلة... وكان أبي يرفض رفضاً حاسماً, فمذيعة نشرة أخبار الجو البارحة قالت إن الجو متقلب بين الصحو والغائم,  وإذاً لا يمكن أن تمطر لان المذيعة لم تقل ذلك.‏

لعلي سأضحك على أخي الذي سيحزن هذه الليلة كثيراً، فقد كان على موعد مهم مع أصدقائه ليلعبوا كرة القدم, لكن أي هدف وسط هذا الجو.. وبأي ملعب سيركض!!‏

لا .. لا .. سأكتب عن تلك اللوحة التي أمامي: عن تلك الفتاة التي ترتدي ثوب صلاة أبيض ناصعاً رافعة يديها الصغيرتين إلى السماء, لكنها لوحة صامتة .‏

هطل المطر بغزارة أكثر, والريح الباردة بدأت تحرك الأشجار القليلة المتفرقة على أرصفة مدينة كبيرة, هاهي الأمطار من جديد تنبهني وتلهمني للكتابة. نظرت إلى المدفأة التي نشرت نارها المتوهجة دفأ ملأ المكان, (هتفت بحماقة ): ما أغباني, كيف نسيت؟ هاهي القصة أمامي!, سأكتب عن السماء والعطاء والنار والقدر... المهم أن أكتب فلا يجوز أن يمر هذا المطر على كاتب أو شاعر دون إبداع.‏

سمعت صوت أمي الذي قطع كل أفكاري معاتبة بصوت حاد: كم قلت لكَ بأنها ستمطر فخُذْ معك المظلة.. هكذا انتم أيها الرجال.. غريبو الأطوار, تظنون أن كل امرأة صادقة وتفهم.. إلا زوجاتكم ..‏

على بياض الورقة بدأت أكتب: «أعلنت السماء عشقها، وقبلت الأرض بأمطار مليئة بالحب..» أتى أبي إلى غرفتي بطيء الخطا, أعرف ماذا سيقوله لي! يا ل(روتينيته) المملة, إما أنه عريس جديد, أو محاضرة حول أن الزواج سترة ومهم للفتاة .. لقد حفظت محاضراته أكثر من محاضراتي الجامعية, وأعرف أيضاً كل عريس يستحوذ على تفكير أبي ويخطف نظره سيقول بلهجة تشبه لهجة معلم الابتدائي عندما كان يحاول مراراً أن يفهمنا المعادلة الكيميائية «يا ابنتي لديه سيارة وبيت, يعمل في الشركة الفلانية «.. ليت أحداً ما يفهمني .‏

دخل أبي الغرفة, ألقى السلام, و ظل واقفا, نظر إلى الورقة شبه الفارغة بين يدي, ضحك ونظر إلى السماء, قال بصوت مليء بالسخرية: «لماذا لا تكتبي كم أصبح عمرك, و كم شاباً رفضت حتى الآن.. حسناً .. بصراحة أنا قاس معك قليلاً, لكن يا ابنتي كل ما أفعله هو من أجلك..» صمت قليلاً تنفس الصعداء وقال بهدوء: : فعلاً همّ البنات للممات .‏

خرج واضعاً يديه وراء ظهره معلناً عن خيبة, فقد فشل بإقناعي بأي عريس حتى الآن. رن جوالي رنة الرسائل كُتب في الرسالة: «حبيبتي أنا آسف تأجل السفر إلى الشهر القادم, بسبب الثلوج لكن شوقنا سيبقى دافئا».‏

هكذا وفي كل مرة يؤجل لسبب مقنع, يخطر ببالي أحياناً أن أتركه وأرضى بأي شاب من عرسان أبي, اليوم بسبب الثلوج, غداً بسبب الحرارة العاليةو أو ربما الشمس تحرق بشرته و لهذا سيضطر لتأجيل سفره وقدومه. نظرت مهمومة متأملة مرة أخرى المدينة مع هذا المطر.‏

عند نافذة بعيدة, رأيت عصفوراً يختبئ, يلوذ بها ليحمي نفسه من الهواء البارد والمطر الغزير,‏

لم أبالِ لشيء.. سوف اكتب قصة مهمة هذا المساء مهما حدث.. هكذا يهمس لي قلبي.‏

رحت أكمل الكتابة على الصفحة نفسها, نعم أنا مصرة على كتابة قصة هنا وبهذا اليوم سأهديها للسماء والمطر..و...و.. تذكرت أحد أصدقائي (أيمن), كان يعاني كيف سيعلن حبه لأحدى الفتيات , لكن ليس هنا المشكلة , الكارثة أن هنالك كل يوم فتاة جديدة تثير إعجابه تذكرت صورته وهو يشرح لي جمال الفتاة التي رآها اليوم, ضحكت بوحدتي وسط صمت ملأ المكان وتعالت ضحكتي لجنوني , ثم ساد الصمت من جديد يا لهذا الملل الذي يقترب مني ؟‏

قررت في نفسي أن بعد أن افرغ من كتابة قصة ما , سوف اتصل بأحد أصدقائي , لا بل سأتصل بكل أصدقائي لأطمئن عنهم , لكن (حمص مرصودة) كما يقال, رن الهاتف ليفاجئني مفاجأة كبيرة , ولكنه ليس بأول مرة ينجح معي  هذا القول , فعندما ذكرت أبي جاء لغرفتي مسرعا, لهذا لن أذكره مرة أخرى .‏

- لو.‏

- كيف حالك صديقتي؟‏

-  من ؟ سمر! الحمد لله كيف حالك أنت ؟أنا على أحسن حال, منذ وقت كنت أفكر أن اتصل معك.‏

-إذا القلوب عند بعضها.‏

-(قلت وقد ذهبت فرحتي) سمر في صوتك الم وحزن , ما بك ؟‏

- لا شيء , لكن صديقك أيمن ؟‏

-  سألت مبتسمة ) ما به ؟‏

- جاء إلي اليوم .. إلى مكتبي, قال لي بأنه يريد أن يتحدث ويقول لي شيئا مهما جدا, ظننت انه سيقول انه معجب بي كما أنا كذلك, ولكن بعد أن جاءه اتصال قلبه رأسا على عقب، وألغى الفكرة وذهب.‏

شجعتها، وأنهيت الاتصال. ضحكت كثيرا وبدأت أتذكر مقالب أيمن مع العديد من الفتيات أيام المراهقة, أدمعت عيوني من الضحك, لكن نظرت من النافذة إن المطر قد توقف, وأنا حتى الآن لم اعرف, ماذا سأكتب؟! ‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية