دوّخ المحيطين.. ووعى إشراقات إبداعه.. التي قاربت شحطات الجنون... فانطبقت عليه تسمية( الفنان الثوري) المنسحبة، هنا على مجمل مواقف الحياة... فناً.. سلوكاً..إبداعاً.. وعيشاً.
بلغ الأمر بسلفادور دالي أنه أوجد طريقةً كرست صيت الجنون لدى ممارسته الرسم،كان يبتكر طقوساً لا مألوفة، وكأنما أراد بها إطلاق كل مكبوت في لاشعوره شحذاً لشرارة الإبداع.
الأسلوب الذي وضع، واعتمده فيما بعد السرياليون، يقوم على رموز الأحلام منتقلاً بالأشياء الطبيعية إلى ما فوق واقعها المرئي.
وهو يؤكد اعتماد فناني السريالية على نظريات فرويد في التحليل النفسي، الذي كان لاكتشاف دالي له ولكتاباته، الأهمية الكبرى في تطور تقنيات فنه، ومن ثم انتسابه إلى السريالية.
ولد دالي في الحادي عشر من أيار عام 1904م، في كاتالونيا الإسبانية لأسرة ثرية وفرت له كل ما يطلب في عمر السابعة رسم أولى لوحاته التي نبهت أساتذته إلى موهبته، فحثه الجميع على دراسة الفنون الجميلة.
نوع من التحولات طبع حياة دالي، جعل البعض يصفه بالتناقض فخلال سنوات دراسته في أكاديمية الفنون عرفت عنه مواقف سياسية واضحة، إذ دافع بحرارة عن أحد أساتذته اليساريين، وكان أن ألقى القبض عليه -أي سلفادور- بسبب أفكاره الثورية، ثم أطلق سراحه لعدم وجود أدلة تثبت تورطه في إثارة الرأي العام ضد الحاكم المستبد في إسبانيا.
فيما بعد...
لجأ إلى أساليب منافية لمبادئ بداياته، نيلاً للشهرة، كتأييده حكم(فرانكو) في إسبانيا.
ورسمه العديد من صور(هتلر) أثناء الحكم النازي لألمانيا، أعجب بها هتلر، مادفع فنانين سرياليين إلى اتخاذ قرار بفصله من حركتهم.
تعرف دالي على كبار عصره، الشاعر(أندريه بروتون) الذي نظم عام 1942 البيان الأول للحركة السريالية،،(لويس أراغون).
كما التقى فريدريك غارسيا لوركا، لينجز معه عملاً مسرحياًَ.
وهو ما يشير إلى أن إبداعه دخل حيز الكتابة، فأصدر عام 1964كتاباً بعنوان(يوميات عبقري)، وطبعاً هو المقصود(بالعبقري).
الكتاب يمثل الجزء الثاني، أو التكملة لسيرته الذاتية التي جاءت بعنوان (حياة سلفادور دالي السرية).
من أبرز موضوعات الكتاب:
اتجاهه إلى السريالية، نزعة التفوق لديه، والأصل فيها اطلاعه على كتب نيتشه، حبه الكبير لزوجته(جالا) يقول عنها:(إن كل رسام جيد يريد أن يكون مبدعاً وينجز لوحاتٍ رائعة، عليه أن يتزوج زوجتي).
وممن أثروا به، عبر قراءته أعمالهم، كان نيتشه فبعد انتهائه من قراءة( هكذا تكلم زرادشت) قام بإطالة شاربيه ليكونا مثل شاربي نيتشه، وبقيا على هذه الهيئة (إلى الأعلى) حتى آخر عمره.
بالإضافة إلى مطالعته كل من (كانت)، (اسبينوزا) و(ديكارت).
هذا الأخير الذي استند على أفكارٍ له في رسم عدد من لوحاته.
ومن المجالات التي خاضها، كان التأليف للسينما، فكتب سيناريو فيلم (كلب أندلسي) مع المخرج الإسباني(بونويل) وتعاون مع والت ديزني في فيلم الرسوم المتحركة القصير(دستينو).
في السريالية
وضع هذا المصطلح الشاعر أبو لينير عام 1917، أي قبل صور بيانها وتعني حرفياً ما هو فوق الواقع، تهتم هذه الحركة بالمكبوت في داخل النفس البشرية، باللاوعي، وتعمل على تحريره عبر الأدب والفن.
ووفقاً لذلك طور دالي طريقةً سماها( الهذيان الناقد)، وعلى ما يبدو أن طقوس ممارسة الإبداع التي أوجدها لشدة ما فيها من غرابة، شبهها البعض بالاضطرابات العقلية، وأحياناً غالوا فقالوا: إنها اضطرابات نفسية فصامية.
ربما بعض من عاداته الغريبة شجعهم لتبني هكذا رأي، كان يقول عن النوم( الناس عادةً تتناول الحبوب المنومة حين يستعصي عليها النوم، لكني أفعل العكس تماماً ففي الفترات التي يكون فيها نومي في أقصى درجات انتظامه وروعته، فإني بتصميم أقرر أن أتناول حبة منوم.. فأنام كلوح خشب وأستيقظ مستعيداً شبابي ثانيةً.
عام 1984، تعرض دالي لحادث حريق في غرفته، بشكل مريب وغير مفهوم، فسر البعض ذلك بمحاولة للانتحار.
إلا أنه بقي بعدها حياً خمس سنوات، توفي عام 1989م في عمر الرابعة والثمانين.