يبرز الوعي الوطني والاجتماعي مارداً تتقزم أمام جبروته كل المحاولات الدنيئة التي تسعى لتجزئة وطننا وتشويه ملامحه وتسميم هوائه.
إنه الوعي الذي باهت به سورية شعوب العالم، فكانت العقول عصية على الاختراق في حالة تأهب ويقظة لأي محاولة غادرة، وكل أبناء الوطن صغيرهم وكبيرهم تحولوا إلى حماة للديار.
وهنا قد يتساءل سائل كيف تشكل هذا الوعي الاجتماعي ومن المسؤول عنه، وكيف نستثمره بطرق بناءة لاهدامة وخاصة لدى فئة اليافعين والمراهقين الذين يحارون في اتخاذ المواقف وتبني القرارات والتوجهات، وقد يخشى عليهم من التغريز بهم.
استقلال ميلهم للتمرد والانفعالية
عدة تساؤلات وضعناها بين يدي الدكتور مجدي الفارس- مدرس علم النفس الإعلامي في جامعة دمشق، وقد أوضح لنا أن صناعة الرأي العام ترتبط بصناعة الوعي السياسي والاجتماعي، وقديماً كان الرأي العام يصنع من خلال التواصل الشخصي عبر الخطب والحوارات، أما الآن فقد أصبح الرأي العام يدار عبر الاخطبوط الإعلامي، وفي مجتمعاتنا العربية مازلنا نعيش في ظل الصناعة القديمة للرأي العام، ويتم ذلك من خلال الخطابات ومنابر المساجد عبر حوار شخصي ونكران الآخر، واليوم يواجه الإعلام صعوبة كبيرة في الامساك بكل خيوط صناعة الرأي العام.
أما الهجمة الإعلامية التي تعرضت لها سورية كان هدفها الرئيسي والأوحد، تشكيل رأي عام يتوافق مع أهدافهم التآمرية، وهذه الهجمة توجهت لشريحة الشباب، وقد يقول قائل لماذا الشباب بالذات؟.
يجيب د. الفارس بالقول: في خضم التغيرات التي ضربت بالمنطقة العربية، حاول الإعلام وصناعه التوجه لشريحة الشباب حصراً، وقد سميت كل الحركات التمردية بالحركات الشبابية، وهذا يعود إلى عدة أسباب، منها الخصائص النفسية لفئة المراهقين واليافعين أبرزها وأقواها، الميل إلى التمرد على السلطة (سلطة الأب، المدير، المدرس، الأخ الأكبر، العادات والتقاليد وكذلك السلطة السياسية)، وهناك طموح قوي لدى هذه الشريحة الاجتماعية لاحدود له أبداً، يتسمون بالانفعالات القوية والاستثارة التي يمكن أن تعبأ بسلوك الحشد، عندها يخشى عليهم من السقوط والتعامي عن القيم الفكرية والثقافية والاجتماعية، حيث تبدأ غريزة القطيع بالعمل والسيطرة عليهم من خلال شعارات معينة وبتوجهات منحرفة، يُخطط لها عبر غرف عمليات حيث تبدأ الحرب النفسية التي يديرها الإعلام الفضائي.
عصية على الاختراق
ويلفت د. الفارس إلى أن ردات الفعل لدى هذه الشريحة من المراهقين واليافعين ليست بنفس السوية أو التأثير، وإن كان البعض سهل الاختراق فهناك فئة محصنة، فإن كان الرأي العام يوجه رسائله عبر الإعلام بنفس الوتيرة والأسلوب، فغالباً الشباب المثقف الواعي، يصعب اختراق وعيه وقناعاته الوطنية لأنه أكثر قدرة على التحليل والمقارنة وتبني وجهات نظر صائبة ومنطقية، أما الفئات الاجتماعية الهشة ممن يفتقدون للثقافة، ومن هم من أصحاب الحاجات الخاصة كالعاطلين عن العمل أو متعاطي المخدرات، أو من هم نتاج ظروف اجتماعية متفككة وغير سوية، فقد يكونون ضحية وفريسة سهلة الوقوع في براثن مخططي تلك المؤامرات، حيث يلعبون على أوتار نفسية معينة وحاجات اجتماعية يراد بها إيجاد حلول، وتتميز الحلول في هذه الحالة أنها انفعالية وليست عقلانية.
مهارات التواصل في مخاطبة الجمهور
وعن عوامل تشكيل الوعي الاجتماعي يشير د. الفارس إلى مهارات التواصل في مخاطبة الجمهور، ابتداءً من طلاب المدارس والجامعات والموظفين والمهنيين، فضعف التواصل بين جمهور الرأي العام والقيادات يؤدي إلى ضعف الوعي الاجتماعي، ويغذي روح السلبية ويكون أرضاً خصبة لاختراق الوعي الجماهيري، والحرص على الانسجام بين مؤسسات التنشئة الاجتماعية من مدرسة وجامعة ونوادٍ، ومؤسسات دينية واجتماعية لتفادي تفتيت الوعي الاجتماعي لدى فئة المراهقين.
الالتفات لحاجاتهم وطموحاتهم
ويؤكد د. الفارس أن من يستفتي الرأي العام ويشارك الناس في عقولهم ومن يمتلك معرفة اتجاهات الرأي العام في أي مجتمع ينجح في رسم ملامح المستقبل، وسوف يعدل من سياساته واتجاهاته غير المناسبة، ويخطئ من يعتقد أن الوعي الاجتماعي والوطني يتشكل عبر التربية فقط، فالأداء الإعلامي هو العامل الرئيسي في صناعة الوعي، والالتفات لحاجات الشباب وطموحاتهم، يساهم في الوصول إليهم عندها يمكن تعديل الاتجاهات الخاطئة، خاصة لدى شريحة المراهقين الباحثين عن كل ماهو غير مألوف، وعن كل ماهو متميز لذلك قد يخشى عليهم من التغرير بهم.
لكي نملك جيلاً يقظاً
وأخيراً يشدد د. الفارس على أهمية الوعي الاجتماعي والوطني، فالوعي يرادف اليقظة، وفي الوقت الراهن، لاوقت للاسترخاء وعلينا أن نكون يقظين بكل حواسنا، لأنه عندما نملك جيلاً يقظاً واعياً، فهذا يعني أننا مستمرون في تحصين مجتمعنا وحماية وطننا، وكذلك نضمن الاستمرارية في إعداد أجيال قادمة أكثر وعياً وحرصاً على الوطن.