وبالفعل لقد أدركت الشعوب الأوروبية أن السياسات العامة التي ارتأت حصراً خفض النفقات الاجتماعية وزيادة الضرائب لتقليص الديون لم تفضِ في النهاية إلى تسوية مشكلات الميزانية للدول الأعضاء في الاتحاد الواقعة تحت ضغط ديون باهظة.. كما ولا حظت هذه الشعوب أن منطقة اليورو تغوص تدريجياً في هوة التقهقر، وعلى نحو خاص جداً تلك الدول البعيدة عن مركز أوروبا، والتي تأثرت أيما تأثر بارتفاع نسبة البطالة، وتقلّص قدراتها الإنتاجية، وضعف الطلب على شراء منتوجاتها الصناعية، وركود الاستثمارات، وتدهور الدولة الراعية.. الخ.
اليونان هو البلد الأكثر تضرراً جراء هذه التطورات على الساحة الأوروبية.. برنامج التقشف الذي فُرض عليه منذ 2010 لم يساهم في تعميق التدهور الاقتصادي والاجتماعي وحسب، وبتعزيزه المشكلات التي تواجهها اليونان، بل ذهب إلى حد خلق ظروف من شأنها أن تجعل قضية ديونه مشكلة مزمنة، أقلّه، حتى أواخر العقد الحالي..
شعوب أوروبا تدرك إذن أن هذه السياسات قد أفضت إلى شلّ عصب الحياة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، مع توقعهم لتعرض الاتحاد «لأزمة خانقة» بفعل الركود والكساد والتدهور في مختلف مناحيه الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
فمثل هذه التطورات الجارية لابد وأن تقود إلى انحلال منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي معاً، كما وتشير التطورات إلى هزيمة كبرى للمشروع الأوروبي القائم على تعزيز التكامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي (كما فسرّه بول كروغمان في 2012).
وبموازاة ذلك، من المتوقع أيضاً أن يعزز ظهور بعض المواقف والسياسات الأوروبية، الحمائية حل منطقة اليورو.. هذه الحمائية التي تتطلب وبحسب الرؤية الأوروبية، اندماج سلبي، وتخلق أحداثاً متناقضة داخل الاتحاد الأوروبي.
وعلى ذلك أن البطالة ازدادت اتساعاً في نطاق الأيدي العاملة بنسبة (10،9٪) منذ دخول اليورو والتكنولوجيا، وساهمت في القضاء على القاعدة الإنتاجية المستحدثة، ولتجنب ذلك ينبغي العمل على تشكيل استراتيجية جديدة لمواجهة هذا التحدي الجديد داخل الاتحاد الأوروبي والذي يفترض به التخلي عن سياسة التقشف وعدم وضع حلقة في هذا الاتجاه، بل عليه تشجيع النمو وإعادة البناء التكنولوجي والاجتماعي بهدف تحقيق اقتصاد أوروبي متوازن، ويتوجب على الدول الأعضاءفيه تشجيع تطوير القطاعات الرئيسة التي من شأنها أن تكون أدوات محفزة للخروج من دائرة الركود والبطالة، وتحقيق قاعدة إنتاجية مبتكرة وتكنولوجيا متطورة.
لقد انحصر النقاش العام في أوروبا حول تمويل حلقة جديدة من النمو، على نحوخاص جداً في البحث عن مصادر جديدة مثل قفزات اليورو، تنشيط دور البنك المركزي الأوروبي، مكافحة التهرب من الضرائب، إعادة توزيع المداخيل إلغاء الجبات الضريبية داخل الاتحاد، فرض ضريبة على عمليات نقل وتحويل الأموال وزيادة قروض البنك الأوروبي للاستثمار، مايعني ضرورة زيادة رؤوس أمواله.
وعليه ينبغي أن ينعكس هذا التوجه نحوحلقة جديدة من تمويل النمو الأوروبي على الميزانية المشتركة.. وأن يكون أداة استثمار وإعادة توزيع الدخل بهدف جعل أوروبا أكثر قوة، والخروج بها من الأزمة الاقتصادية والتقهقر، والحفاظ على الوقت نفسه على شرعية العملة الموحدة وإمكانية تعزيز التكامل الأوروبي، علاوة على ذلك، تشير هذه الأمور المرعية أن «الإصلاحات الهيكلية» المتضمنة برامج التقشف الخاصة بإفساد تنظيم سوق العمل، وتقليص دور التفاوض الجماعي، واتفاقات العمل المشترك، وتحويل الدولة الراعية إلى «دولة الفقراء» هذه الأمور جميعها تخلي مكانها لحلقةجديدة من النمو في أوروبا التي تطمح لتحسين التكنولوجيا والعمل في مؤسساتها.
بقلم: سافاز ح. روبوليس - أستاذ جامعي في أثينا