بعد انتصار الشعب الفلسطيني في التصدي للعدوان الإسرائيلي في غزة مؤخرا وبعد انجازه الكبير في الامم المتحدة ، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه على عدد من التساؤلات المشروعة للشعب الفلسطيني التي تتقاطع بمعظمها عند السؤال عن سبب هذا التأخير الذي تجاوز في مضامينه وأبعاده كل حدود الزمان والمكان رغم وجود وتوافر الأرضية المناسبة لتحقيق هذه الخطوة التي سترقى الى مرتبة انتصار جديد للشعب الفلسطيني في زمن الإخفاقات العربية المتتالية التي تحيط بالقضية الفلسطينية من كل جانب بعد ان تخلى الكثير من العرب عن عروبتهم وقوميتهم وبعد ان أداروا بوصلتهم باتجاه مغاير تماما بعيدا عن القضية الفلسطينية التي كانت تشكل الجامع العربي الوحيد .. أداروها بما يتناسب ومصالحهم وطموحاتهم وبما يتوافق وأمر العمليات الأميركي الذي يدير خلف الكواليس وأمامها مخططاته ومشاريعه الاستعمارية .
غير ان مايميز هذه المرحلة عن سابقاتها لجهة تعثر المصالحة الوطنية الفلسطينية هي بالاضافة الى تراكم العقبات والعوائق الداخلية والخارجية التي كانت ولازالت تدفع بالمصالحة الى الوراء ، هي ظهور عامل اقليمي بلبوس جديد على خط سير المصالحة يتمثل بالعامل المصري الذي يفرض حضوره ووجوده على طرفي الخلاف لعدة اعتبارات وغايات باتت اكثر من واضحة ، وهو الامر الذي اعاد دوران عجلة المصالحة الى الخلف بدلا من دفعها الى الامام ، ليغدو بعدها ملف المصالحة رهينة تلك التطورات على الساحة المصرية من جهة والساحة الدولية من جهة اخرى ، لكن الاشكالية القديمة الجديدة التي كانت تطل براسها عند كل حديث عن تقارب او مصالحة وطنية فلسطينية .. هي لماذا يتمسك اطراف الانقسام الذي تحول في احد مراحله الى صراع حقيقي اصطبغت معظم مفرداته بدماء الشعب الفلسطيني بالرهان على الخارج كخيار وحيد لتحقيق المصالحة رغم رفض الشارع الفلسطيني بكليته لمثل هذه الرهانات التي يعتبرها خاسرة مسبقا وخاصة عندما يتعلق الامر بمستقبل الشعب الفلسطيني الذي لايزال يدعو كافة الأطراف الى المسارعة بإنجاز المصالحة وعدم الرهان على العامل الخارجي انطلاقا من أن هذا الملف تحديدا هو فلسطيني بامتياز ، وبالتالي فإن ربط هذه الملف بأية تحولات أو تغييرات عربية أو إقليمية أو دولية وبحكم التجارب الماضية سيكون مصيره الفشل .
وعليه فان دعوة طرفي الانقسام الفلسطيني الى المسارعة بتحقيق المصالحة تبدو انطلاقا من تلك المعادلة (أي معادلة الرهان على الخارج مصيره الفشل ) اكثر مصداقية واكثر شفافية خاصة اذا كانت تمثل كافة اطياف الشعب الفلسطيني الذي كسر خلال العدوان الاخير على غزة وخلال معركته في الامم المتحدة للحصول على صفة عضو في المؤسسة الدولية ذلك الطوق الحديدي الذي وضعته تلك الخلافات والانقسامات السلطوية حول عنقه ، وهذا مابدا واضحا من خلال تلاحمه ووحدته التي قزمت الى حد كبير طرفي الصراع ودفعتهما الى اعادة التفكير مجددا ومليا بخطورة ربط ملف المصالحة خصوصا واي ملف وطني فلسطيني عموما بأي عامل خارجي مهما كان تاثيره بالغا وكبيرا .
ولتوضيح الصورة أكثر لجهة ربط بعض أطراف الخلاف تحقيق المصالحة بالعوامل الخارجية نشير الى ماقاله احد المسؤولين في الداخل الفلسطيني الأسبوع الماضي حيث أكد الأخير على بقاء ملف المصالحة بيد ( مصر مرسي ) التي تتولى رعايتها باعتبارها ( أكثر استقلالية في الدول العربية من حيث المصالحة الفلسطينية ) ، مضيفا أن المصالحة الفلسطينية الداخلية بحاجة لـ ( وضع خطة خارطة طريق جديدة لتحقيق المصالحة الفلسطينية )، ومعتبراً في الوقت ذاته أن تحديد خارطة طريق من شأنه أن يوضح الخطوات الأولى لتنفيذ المصالحة والملفات الأكثر أولوية للنقاش بين طرفي النزاع.
كلام المسؤول الفلسطيني يعيد الامور الى المربع الاول الى درجة قد ترمي بكل الاسس والاتفاقيات السابقة التي وقعت في بعض العواصم العربية في مهب الريح وبالتالي الاطاحة مجددا بأحلام وطموحات الشعب الفلسطيني الذي ضاق ذرعا بكل تلك الاطراف التي رهنت حاضره ومستقبله بعوامل خارجية لم تقدم له طيلة العقود الماضية سوى مزيد من الخيبات والهزائم .