تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فنانو سورية التشكيليون.. لإعادة الضوء للأيقونات

ثقافة
الثلاثاء 8-4-2014
خالد أبو خالد

من يعش المشهد في سورية - وليس من يراقبه من أرض معادية أو محايدة -.. يكتشف ببساطة أن هذا الصراع في حقيقته صراع ثقافي إذ إن الثقافة في مضمونها وسياقاتها ليست سوى صورة للأمم والشعوب تتوارثها جيلا بعد جيل

وهي بما تمثله من عوامل إيجابية في تاريخها تشكل أول الخنادق في الدفاع عنها وعن مكوناتها الأخرى أما العدو الذي يستهدفنا الآن فهو من جهة مركّب من الاستعمار والصهيونية.. والتخلف بأصلائه ووكلائه من إرهابيين وغزاة وحماة.. أما من الجهة الاخرى فهو جبهتنا المركبة من الشعب العربي السوري.. وقواته المسلحة الباسلة بقيادته الشجاعة التي ترى إلى هذا الصراع باعتباره مؤثراً على الساحتين الإقليمية والدولية.. وأن هذه الهجمة الشرسة في حقائقها إنما تستهدف الإنسان والشجر والحجر، وحاملها الإنساني بثقافته المتجذرة ورموزها من الأوابد والآثار إلى البنى التحتية وفي زيارة محدودة أو مفتوحة إلى أي مكتبة في العالم نكتشف كم أن باحثين ومفكرين وشعراء ومستشرقين ورحالة استطاعوا أن يقدموا بلادنا ثقافة وحضارة وعمراناً وفناً وأدبأً وهو كله مركب ثقافي حفر عميقا في حياتنا وتاريخنا كما في حياة العالم وتاريخه وخلف مؤثرات إيجابية لاسبيل إلى نفيها حتى لو كان بعض هؤلاء المهتمين قد جاؤوا من بيئة استعمارية ولم يكونوا أبرياء من الغرض المعادي الذي استهدف دائما الهيمنة على حياتنا ومقدراتنا ومصائرنا لكنهم جميعا لم يستطيعوا إلا أن يعترفوا بغنى الوطن العربي في كافة أقطاره العامرة بالاوابد وبأحلام المستقبل المعافى والاجمل كما هو الحال في سورية.‏

لكن ماشهدناه منذ تدمير تماثيل بوذا في أفغانستان مروا بتدمير ونهب أوابد ومتاحف العراق، وصولا إلى نهب وتدمير أوابدنا.. وآثار الحضارات التي عمرت أرضنا في سورية، و والقيام بنهبها.. حتى تدمير المساجد والمقامات والأديرة التي سرقوا مقتنياتها.. أو خرَّبوها وكلنا يذكر كيف طار بعض الزائفين بزعامة كذابهم الأكبر إلى أفغانستان لمنع تدمير تلك التماثيل ولعل ذلك السلوك كان لتغطية الآتي من مسلكيةٍ نطقات بفتاوى القتل وسوغته إن على أيدي الإرهاب أو حتى بقوات الناتو التي دمرت بلد اعربيا ومازالت تعيث فسادا في جهاته الأربع دون أن ننسى أن بعض القواعد العسكرية الأمريكية قدر ارتكبت جريمة إقامة معسكراته فوق مناطق الأوابد الأثرية كما حدث في العراق كما لاننسى أن العدو الصهيوني مازال ينهب آثارنا في الجولان المحتل من أرضنا العربية السورية.‏‏

وإذا كان هذا الذي يجري بفعل الإرهاب ورعاته.. من المشيخات المتخلفة من قطر إلى الجزيرة العربية.. يترك آلاما وجراحا مفتوحة ونازفة في روح وجسد الأمة في سورية التي هي قلب الأرض كما هي قلب أمتنا الراعف على مايجري في القدس من تدمير وتهويد لحاراتها ومقابرها وبيوتها.. بما في ذلك مايجري للأقصى المبارك ولقبة الصخرة المشرَّفة.. وحتى تطويق كنائسها من كنيسة القيامة في القدس إلى كنيسة المهد في بيت لحم..‏‏

ثم إذا كان الألم كبيراً وبلا حدود بسبب من كل هذا.. فهو الألم الذي يتساوى والألم على الشهداء في سورية المقاومة لكل شكل من أشكال هذا الغزو الإرهابي الذي تسبب ويتسبب في تدمير البيوت وقتل النساء والأطفال والشيوخ بغطاء ودعم عثماني جديد.. كما بالغطاء والدعم الذي توفره تلك المشيخات المتخلفة بالتنسيق مع العدو الصهيوني والعدو الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميريكية الدولة المؤسسة على تاريخ من القتل والإبادة التي قامت إداراتها المتعاقبة من الأرض التي تقوم عليها وصولا إلى كثير من مناطق العالم من الفليبين وكوريا واليابان وفيتنام إلى أفغانستان والعراق وليبيا مرورا بيوغوسلافيا والصومال وغير مما لا يحصر في جملة واحدة إذا ما أخذنا في الاعتبار عملياتها السرية التي لايعلن عنها.‏‏

أما ماشهدناه من دمار في كنائس وأديرة معلولا. ويبرود.. وحلب.. وحمص والرقة.. والكثير غيرها.. فإنه مؤلم إلى درجة لايمكن وصفها.فالأيقونات الجميلة على الخشب أو بالفسيفساء التي يبلغ عمر بعضها مايزيد على ألف عام تعرضت للنهب أو للسرقة.. فإنه يظل جراحا ناغرة في الارواح كما في القلوب..‏‏

وإذا كنا نشيد بكل هؤلاء المتطوعين الاجتماعيين الذين يقومون بأدوارهم في الطبابة والإغاثة فهم إنما يستدعون بنشاطهم أيضاً الفنانين التشكيليين والتطبيقيين، والمتخصصين في ترميم الأيقونات لكي يقومو بمهام جليلة هي في حقيقتها مهام إنسانية حضارية.. لاتخص سورية وحدها فحسب، وإنما تخص الإنسانية كلها على امتداد العالم.. فنحن نعرف أن سورية الغنية بالفن والفنانين بكافة اختصاصاته ومستوياته غنية بجيش من الفنانين الكبار المعلمين والتلاميذ المتفوقين على أيديهم ندرك جيدا أن هذا الجيش قادر أن يكون رافدا لقواتنا المسلحة في عملية إعادة البناء والترميم لكل ماخربه هذا الإرهاب..‏‏

وإذا أخذنا في الاعتبار أن شريحة من عالم الفنانين التشكيليين في العالم مناهض لهذه الأعمال التخريبية فليس صعبا استقطاب هذا الفئة من الفنانين التشكيليين والتطبيقيين ليتضامنوا معنا من أجل ترميم أيقوناتنا. خاصة منهم أولئك المتخصصين في هذا النوع من الأعمال.. آخذين في الاعتبار تخصص بعض الفنانين العرب السوريين في أكاديميات.. ليننغراد وأثينا وروما.. وأن في كنائسنا أيضا.. رهباناً تخصصوا في مثل هذه الأعمال، وأنهم قادرون على ممارسة الإشراف عليها باعتبارها أعمالاً جليلة وتمثل موروثا ثقافيا لإنسانيتنا وهو ما سوف يعيد الأيقونات إلى حالاتها الصحيحة ويعيد لها الضوء بالرغم مما تعرضت له من تدمير وتشويه..‏‏

هذه صرخة مثقف عربي ينزف.. ولن يتعافى من نزيفه إلا ساعة تتعافى سورية كلها من جرائم الإرهاب..‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية