وما كان لمبادىء الحزب وأهدافه وأفكاره أن تسود وسط الشعب وتلقى قبولاً واسعاً في أوساط الجماهير العربية لو لم تعكس آمالها وتحقق أمانيها في الاستقلال وتحرير الإنسان العربي ووطنه من الظلم والعبودية والتطلع نحو احداث تغيير اجتماعي ايجابي وصولاً لبناء مجتمع عربي موحد يسوده العدل والمساواة.
ومراجعة مسيرة الحزب تؤكد أن تأسيسه لم يأت من فراغ وإنما كان ثمرة مرحلة طويلة من النضال في صفوف الجماهير والمشاركة في كل معركة خاضها شعبنا سواء ضد المستعمر أو ضد الاقطاع والفئات المستغلة التي ارتبطت مصالحها بمصالح المستعمرين.
وتحمل ذكرى التأسيس معاني ودلالات تعبر أصدق تعبير على أن أهداف الحزب لاتزال هي نفسها أهداف الجماهير، وأن الحزب استمد قوته من هذه الجماهير التي هي مادته وغايته ولا طريق للنصر إلا من أجلها ومن خلالها فهي صاحبة المصلحة الحقيقية في التحرر والوحدة، وهي الإرادة التي لايمكن أن ترضخ أو تساوم أو تتنازل أو تفرط بذرة من التراب القومي على امتداد الساحة العربية أو أن تتخلى بالتالي عن حق مغتصب.
واستطاع حزب البعث العربي الاشتراكي أن يرسخ هذه الحقائق على أرض الواقع عبر طليعته الثورية التي رفعت راية مواجهة المشاريع والخطط الاستعمارية الصهيونية وعززت هذه المواجهة بالجهد والعرق والدم.
لقد حملت شمس السابع من نيسان 1947 بشائر مولد فجر نضالي عربي جديد وبشائر نهوض وانعطاف تاريخي ايجابي بفتح صفحات مشرقة في تاريخ الأمة العربية فكان البعث ثورة على التخلف والتبعية والتجزئة وتفجيراً لقدرات وطاقات وامكانات الجماهير العربية نحو أهدافها الحقيقية وكفاحاً شاقاً ودؤوباً ضد الأخطار والتهديدات الاستعمارية والصهيونية مما أذن بولادة مرحلة تاريخية كفاحية جديدة في تاريخ أمتنا العربية الحديثة وفي ذلك الوقت بدأت شراسة الحركة الصهيونية تهدد الوجود القومي للأمة فانتهج الحزب سياسة التصدي لكل أشكال الاحتلال الصهيوني وبدأ مرحلة الصراع المصيري ضد سياسة ومشاريع وأهداف الحركة الصهيونية وخاض معارك وملاحم بطولية رائعة على أرض فلسطين وفي حرب التصدي للعدوان الثلاثي على الشقيقة مصر واسقاط مشاريع الأحلاف الاستعمارية والدعوة إلى الوحدة العربية باعتبارها الطريق إلى تحرر العرب وعزتهم وقدم مناضلوه تضحيات كبيرة على هذا الطريق.
وترك نضال الحزب مآثر وانتصارات واضحة في شتى المراحل ففجر عام 1963 ثورة الثامن من آذار بعد نضال صلب ضد جريمة الانفصال والارتداد عن وحدة عام 1958 التي قاد الرفاق في الحزب غمار معركتها لتكون أول وحدة عربية في تاريخ العرب الحديث بين سورية ومصر وكانت ثورة البعث في آذار 1963 اضافة لكونها انتصاراً للوحدة قد أعادت لسورية وجهها العربي التحرري وخاض معركة تشرين التحريرية التي كانت علامة مضيئة في تاريخ الوطن.
واليوم، تتصدى جماهير حزبنا للمؤامرة والتحركات المشبوهة للغرب والصهيونية وبعض العرب المفتقرين للديمقراطية والعدالة متناسين أن القومية العربية ليست مبدأ وافداً أو عقيدة طارئة أو مبدأ جديداً بل هي روح العربي الأصيل الذي حفظ ميزات الأمة العربية وصانها من التفكك والضياع.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي يخوض هذه المعركة واضعاً يداً بيد كل صديق لسورية من دول العالم والمنطقة، وسيكون للخروج من المأزق الذي قاده إليه قادة الغرب وبعض القادة العرب، وسيكون كالصخرة المنيعة تتكسر عليها أمواج العاصفة الهوجاء التي اجتاحت الأمة العربية وأشعلت نار الفتنة والتفرقة بين أقطارها وليس أدعى للسخرية والازدراء من دعوة البعض لتجميع مايسمونها المعارضة السورية المختلفة والفاقدة للوطنية والإحساس بالمسؤولية، وليس أسوأ من دعوة لحقوق الإنسان في سورية ممن يدعي العدالة والحرية، وهو يفتقدها لأنه يدعم منطق القتل والذبح والحرق والتمثيل بالجثث.
وقديماً قيل: نبح الكلاب لايضر بالسحاب، وقافلة الحق في سورية تتربع على أكتاف ثلاثة وعشرين مليوناً من السوريين تقودهم قيادة حكيمة يساندها جيش قوي متماسك يحمي الشعب ويوفر له الأمن والأمان ويحبط كل الهجمات والمؤامرات ويرميها في هاوية اليأس المرير لأن الجيش هو خلاصة الشعب ووعيه المنطلق.
إن سورية اليوم تسعى إلى القوة البناءة التي تقوم على اجتياز التجارب القاسية والصمود في وجه الهجمة الشرسة عليها وتحقيق الإصلاحات وإعادة الأمن والاستقرار وستكون على أعدائها والمتربصين بها أو الذين يحاولون عرقلة سيرها نحو أهدافها والمتآمرين عليها أقوى من الفناء.