أما الخاصية الأولى فهي أن هذا الاصطفاف يجب أن يتوحد أو يتوزع تبعاً لمستوى الثبات في الموقف السوري الوطني لذلك نرى الآخرين من المجموعة المعادية لسورية يتوحدون في مواقفهم مرة، ويتوزعون مرة أخرى ويفترقون مرة ثالثة، والمهم في ذلك كله هو تأمين المناخ والحيثيات المادية اللازمة للضغط على سورية أو للتهديد بنسف كل مقومات وجود هذا البلد وبالمحصلة فلا معنى لأي تفريق أو تمييز مابين الخطوط المعادية.
إن هذه القوى في النهاية تصدر عن رؤية واحدة معادية لسورية وتصب في غاية واحدة هي تدمير هذا الوطن وتحويله إلى أجزاء وشظايا تحسن الاقتتال ويكون من أولى مهامها السياسية الإقلاع عن المدى القومي العربي والإقرار بأن الكيان الإسرائيلي لم يعد معادياً ولربما لم يكن معادياً في أي وقت من الأوقات.
وأما الخاصية الثانية فهي تتأكد من خلال توزيع الأدوار والمهام وللغرب خصوصيته في ذلك فهو يقاتل بالآخرين وهو يقبض فاتورة سياساته من ثروات الآخرين حتى ولو كان ذلك يعني تجويع وترويع المجموعات البشرية، لذلك لاحظنا بأن الفورة الأولى للقوى المشاركة في العدوان على سورية كانت تتنافس إقليمياً وعالمياً على الأدوار الأولى في العدوان على سورية وكانت لغة الخطاب في سياساتهم تنطلق من ثوابت أساسها سقوط النظام في سورية وضرورة أسلوب العمل العسكري من الخارج والداخل واستثمار مواد العقوبات والحصار في هذا الاتجاه والمتاجرة بآلام الشعب السوري ولاسيما مايتصل ذلك بالمهجرين إلى الجوار.
ومع تطور الموقف السوري في الرد والاستيعاب بدأت منظومة الاصطفاف الأصم تتمايز ثم تتفكك، لعلنا لاحظنا الصمت المريب للكيان الإسرائيلي في المراحل الأولى إلى أن تطورت المواقف فإذا كل المواقع المسؤولة في الكيان المعادي تتحدث بصورة مفاجئة ووقحة عن استعداد هذا الكيان لاستقبال الجرحى وتأمين المساعدات الإنسانية والعسكرية لثوار الداخل إلى أن تطور هذا الموقف الإسرائيلي إلى حدود نقطتين خطيرتين الأولى ضرورة ضرب البنية العسكرية النوعية لسورية في هذا الظرف السانح على ذات النمط مع الذي مارسوه مع العراق وليبيا والثانية هي النشر المتعمد للرؤية السياسية التي اختصرتها جريدة جيروز آلين بوست بقولها إن الحكومة الإسرائيلية تريد أن يكون بجوارها دولة ديمقراطية على أن تكون تلك الدولة معتدلة في المنطقة وموالية للغرب وعلى رأس الغرب الولايات المتحدة وأن تكون الدولة السورية بعد ذلك على استعداد تام للمباحثات مع إسرائيل.
ويقدم الاصطفاف الدولي على سورية تساؤلات مثيرة وكأنما قد اكتشفت القوى العالمية المستبدة خصائصها من جديد بعد أن تحطمت الموجات الاستعمارية الكلاسيكية واندحرت مجمل الأحلاف والمعاهدات التي استمرت في الاستراتيجيات الغربية حتى عام الانقضاض المؤلم على العراق والصورة بمقتضاها العام كانت مثبتة في مشاهد ثلاثة، الأول منها أزمة الغرب في كل مشاريعه وتهافت هذه المشاريع على صيغة نكسات عسكرية وسياسية وأزمات اقتصادية وثقافية وتباعد مريع في خطوط الائتلاف والاختلاف بين مجمل موجات العمل العسكري الغربي والأحلاف التي احتضنت مجمل العدوانات الغربية على العالم بكل قاراته.
ولعل هذه الأزمة الذاتية في الغرب هي التي استنهضت قواعد الخوف على مجمل الوجود الغربي بكامله بالمعنى الحضاري ولاسيما بعد الخروج المهين من العراق وتداعيات الانقلاب النوعي الذي بدت مكوناته وتأثيراته بدءاً من موقف المقاومة في حزيران من العام 2006، وأما المشهد الثاني فقد تلقفته عناصر التجربة المريرة التي قادها ونفذها تحت ضغط مفهوم القوة الصماء هذا النزوع الغربي نحو التدخل في شؤون العالم وإعادة صياغة الأحداث بما يخدم العقلية الغربية الاستعمارية والمسعى دائماً هو إدخال عناصر جديدة في الأداء الغربي نحو قضايا العالم يستثمرمعطيات العصر ويستفيد من دروس المراحل الماضية.
لعلنا نذكر في هذا السياق بأن الغرب الاستعماري هو المسؤول عن المأساة التي حدثت في رواندا الإفريقية وعن مذابح سيربرنيتشا وعن قتل الملايين في العراق والمشهد الثالث تجسده نمطية البحث الدؤوب لدى الغرب عن كل مايضمن موقعه في السيطرة على العالم عبر مفاهيم وقيم النظام العالمي الجديد وعبر النظريات المعروفة في المنطقة كما هو الحال في مشروع الشرق الأوسط الكبير ونظرية الفوضى الخلاقة المعروفتين لدى الجميع، إن المشاهد الثلاثة تقدم دافعاً حقيقياً لكي يتحرك الغرب الاستعماري على هذا النحو من التصعيد العسكري والسياسي ضد سورية، وكأنما سورية في أزمتها الراهنة هي الابتكار الجديد الذي سوف يقدم الضرورة اللازمة لعودة الغرب إلى الدور التاريخي المعروف ولبسط الغلائل القاتمة على التفسخ المنتشر في الحياة الغربية اقتصادياً واجتماعياً وكذلك لتقديم مادة على وجه السرعة تصلح أن يتوافق عليها الغرب الاستعماري وتوابعه في المنطقة العربية وأدواته الاجتماعية التي اعتنقت مبدأ بيع الموقف بأثمان متفاوتة والتفاهم مع خصائص قانون العرض والطلب في مناخ السوق السياسي الدارج الآن في العالم.
ومن المهم ملاحظة أن الروافع النظرية لهيجان قوة الغرب من جديد لعبت دوراً مهماً في صيغة وحدة النقائض والمصالح لدى الغرب، ومن هذه الروافع الشعور الغربي الكامن والمضطرب بأن الانهيار بات وشيكاً وبأن الحدث السوري يشكل في هذه اللحظة تجاوزاً لأزمة الغرب وبناءنظام أولويات يخول المستعمرين بصلاحيات سياسية وعسكرية تنقلهم من لحظة الشعور بالتبدد إلى موقع زمني ومكاني يتقمص فيه الغرب شعوراً آخر يقوم على منهجية الهروب من الذات إلى الخارج ومن الأزمة إلى المبادرة، إن سورية بهذا المعنى هي صيد ثمين بالنسبة للغرب ولربما هي قدر جاء في موعده لكي ينتقل اللاعبون جميعاً إلى ساحة أخرى تمتصهم وتمتص هواجسهم ومن هذه الروافع جاءت عملية الادعاء بأن الغرب وتوابعه إنما يمارس دوراً إنسانياً ومهمة ديمقراطية في مناصرة (الثوار) في سورية والانهماك بتزويد المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح النوعي والحاضنة الإعلامية والتداخل الأمني على أعلى مستوى مابين الغرب وأذرعة الإرهاب في سورية.
ثم يأتي دور الرافعة الثالثة وهي القائمة على مفهوم نظري سياسي مستحدث جاءت على لسان كوفي عنان مبعوث (الغرب) إلى الأزمة السورية والموظف البارع والثابت في خطاه في خدمة قيم الغرب وأغراضه على مدى عقود وليس سنوات، هذه الرافعة تقول بأن سورية ليست ليبيا وهي لن تنفجر من الداخل بل ستنفجرخارج حدودها وبهذا المعنى الأساسي فإن هذه الفكرة المستجدة لابد أن ترى في المدى الاقٍليمي والعالمي مجالاً حيوياً لاستنهاض كل مايمكن لإسقاط سورية وتوزيعها بناءً على تشكيلات جديدة تخدم المجرى الاستراتيجي للغرب وتوابعه، على أن هناك رافعة رابعة وأصلها بأنه لابد من علامة فارقة كما يثبت في الهوية الشخصية للإنسان وقد تمثلت في ضرورة دور (عربي التسمية) هذه المرة وبأدوات وآليات لاتقف عند حدّ ولا تخضع لتقويمات معنوية أو خلقية كالخيانة والقبول بدور القاتل للشقيق أو هذا الحذر من أن تحدث ردة فعل عربي على دور فاقع كالذي كلفت به كل من قطر والسعودية ورئاسة الجامعة العربية، إن مجمل هذه الروافع يتم نقلها بالتدريج إلى مستوى الدوافع الثابتة في السلوك العام ضد سورية وهذا مانتابعه في تسارع الاصطفاف الاستعماري العالمي ضد سورية ومن خلال إلغاء الحواجز تماماً بين القوى الاستعمارية الأم والأنظمة العربية الأداة ومؤسسات الصهيونية ومشاريعها عبر الكيان الإسرائيلي وما يصدر عنه، بصورة عامة الغرب يخطط ويوطد النظام السياسي العربي ينفذ والكيان الإسرائيلي يترقب معلناً في خطوته الأولى أنه جاهز ليؤدي مهمة الصليب الأحمر في تقديم المعونة الإنسانية للسوريين المنكوبين.