حول هذا السؤال تدور رواية (ذكريات) للروائي الأميركي راسل بانكس صدرت قبل أيام وسجلت أعلى أرقام المبيع كما رواياته الأخرى منذ العام 1975.
يعتبر بانكس من أبرز الروائيين المعاصرين في الولايات المتحدة توجته روايته الحدث (قارة تغرق) عام 1985 كروائي رئيسي في الولايات المتحدة بعد كتابه (جامايكا) عام 1980 وسرعان ما انتقلت روايته (أسى) عام 1889 إلى شاشات الصالات السينمائية كذلك الأمر بالنسبة لرائعته (غد مشرق) التي تحولت إلى فيلم سينمائي ونالت الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان كان عام 1997.
ولم تكد تطل الألفية الثانية حتى أصبح راسل بانكس رئيس البرلمان الدولي لكتّاب العالم وفي العام 2005 أطل هذا الأديب الكبير على الآداب العالمية برائعته (الحبيبة الأميركية) تلتها (المحمية) عام 2008 ليقدم اليوم روايته (ذكريات) التي تكشف الوجه الآخر للمجتمع الغربي عموماً والأزقة الخلفية للمجتمع الأميركي خصوصاً.
فالبطل كيت يعيش في فلوريدا داخل عالم تحكمه الغرائز المطلة عبر الانترنت صنعها كل مشترك لنفسه ويتواصل كيت الذي لا يتجاوز عمره 22 عاماً عبر الانترنت مع فتيات وفتيان سرعان ما يعتدي عليهم ويتسكع على غرار الملايين المهمشين في الغرب، حيث ينام داخل أنفاق مجاري فلوريدا تحت الجسور المعلقة بعد خروجه من سجن الأحداث بسبب اعتدائه على فتيان قاصرين، ولم يخرج كيت من سجنه إلا ويحمل في معصميه سواراً الكترونياً لتتمكن إدارة الأحداث من متابعة تحركاته بعد أن حظر عليه استخدام الانترنت الذي سبب بلاء وتشرد آلاف المراهقين في الغرب، وهنا يعود كيت ليبحث عن هويته وانتمائه العائلي بعد أن تخلت عنه والدته على غرار عشرات الأمهات الأميركيات اللواتي ينبذن مولودهن لأنه ابن الخطيئة فتتكفل أسر غنية بشراء هذا المولود وبيع العواطف الكاذبة له ولا يبقى لـ كيت في هذه الدنيا إلا ايجي وهي حرباء استوائية عاشبة يداعبها ليستمد من تلك المداعبة حب الحياة.
وهنا يدخل الروائي قارئه في كواليس تحقيقات باحث اجتماعي للإشراف على كيت ومحام يدعى شيستر مهمته مكافحة الشذوذ الجنسي عند القاصرين ورابيت من ذوي الاحتياجات الخاصة، هذا هو عالم كيت كما تستند رواية ذكريات، على مراجع دينية جغرافية وجنسية وتربوية للتقصي والبحث عن مستقبل المراهقين الأميركيين في عالم غارق في حروبه واستهلاكه وجرائمه.
ويصل راسل إلى خاتمة مفادها أن الكائن الحي دائم البحث عن ذاته، لذلك دأب الروائي على الاختلاط بتلك الشريحة من المجتمع الغربي كالمنبوذين من المراهقين ليتابع حياة تلك الشريحة المتنقلة في أرجاء ميامي حيث يقيم الأديب اليوم ويستمع إلى ارهاصاتها الفكرية وأمراضها النفسية وآلامها وإلى حركة السيارات الدائمة على امتداد جسور معلقة تخفي قمامة أخلاقيات مجتمع مادي استهلاكي يستهلك إنسانيته، ويضيف بانكس: أنا لا أدافع عن ايديولوجيا معينة إنما أشخص حالات مرضية تعيث في المجتمع الأميركي فساداً وتعمق الهوة بين الإنسان وأخيه فما أكثر المراهقين الشاذين في ميامي وسواها من المدن الأميركية؟ وما أكثر المعتدين المغتصبين لصغار السن في بلاد تدعي الديمقراطية وترفع مشعل الحرية بأبعادها التربوية والأخلاقية والسياسية وتمتلئ فيها سجون الأحداث بالآلاف ممن يرتبكون الجرائم ضد أهلهم، ويتابع بانكس كنت أرتاد باستمرار مسابقات الجمال الخاصة بالأطفال كي أتعرف كيف يتم تشويه تلك المخلوقات البريئة التي سرعان ما تصبح عرضة لهلوسات مجتمع يسهل تضليله وإفساده وتوجيهه عبر الانترنت والدعايات والشاشات، وهذا ما وجدته عند كيت وجماعته الذين عايشتهم عن كثب.
وفي تعريته للقيم الأميركية يجد النقاد في راسل بانكس خليفة تشارلز ديكنز ومارك توين.