في الوقت نفسه الذي تدخل فيه المصارف التقليدية مرحلة جديدة من التحديات في مواجهة أزمة التوظيف، يحافظ التمويل الإسلامي على توازنه رغم تقلبات السوق، فهل توفر الأزمة مناخاً خصباً لنمو الصيرفة الإسلامية كبديل عن الصيرفة التقليدية؟!.
يبدو أن الأمر ليس مستبعداً وقد بدأت بعض البنوك الإسلامية المحلية تتحدث عن أصول زادت بنسبة 51٪ ونمو أرباحها بنسبة 6٪ في ظل الأزمة!.
نمو الصيرفة الإسلامية ليس مستغرباً، إذ إن البنوك الإسلامية تكاد تكون بمنأى عما تشهده المصارف التقليدية الأخرى فالأخيرة لاتدخل بالمضاربات ولاتتعامل بتجارة الديون وتستثمر في الاستثمار المنتج بدلاً من الاستثمار الورقي والمالي والمشتقات والخيارات والبيع على المكشوف الذي أثبت مؤخراً ضرره أكثر من نفعه.
إلى ذلك فإن عدداً من المؤثرات في العرض أدت إلى الاهتمام المتزايد بالصيرفة الإسلامية باعتبار أن الفرص في هذا القطاع لم تستقطب اهتمام البنوك الإسلامية الموجودة فحسب بل عملت بنوك تقليدية على فتح منافذ إسلامية لها. واللافت للنظر أن الاهتمام بالصيرفة الإسلامية انتشر (غداة الأزمة المالية العالمية) إلى خارج الدول الإسلامية، وأصبحت كبرى المراكز المالية مثل لندن تحاول جاهدة تقديم نفسها كمركز تمويل إسلامي أساسي، كذلك بدأت مؤخراً حكومات غربية تستشير المؤسسة الإسلامية في أساليب تبني الصيرفة الإسلامية كبديل للصيرفة الرأسمالية التقليدية هذا الواقع يقود إلى التساؤل- في ظل تراجع الاستثمارات القائمة من حيث حجم الأعمال والتسليفات وكذلك بالنسبة لحصتها قياساً إلى القطاع المصرفي بشكل عام- عن أهمية دور المصارف الإسلامية في ظل الأزمةالممتدة منذ أكثر من عام ولاسيما أن ميزانيات البنوك التقليدية تفيد أن نمواً لم يطرأ على عملياتها التسليفية في مقابل نمو أقل للودائع وهذا أمر طبيعي خلال الفترة الراهنة بسبب تداعيات الأزمة على مختلف المشاريع الاقتصادية غير أنه في الوقت ذاته لايمكن أن نتغاضى النظر عن مشاريع تنموية كبيرة لاتزال تمول عن طريق تسليفات المصارف الإسلامية مثل مشروع الاسمنت والسكر ومشاريع صناعية أخرى في عدرا والشيخ نجار.. كما أن هناك حديثاً عن إمكانية تمويل مصارف إسلامية لمشروعات طاقة كهربائية.
قد يكون التمويل الطويل في ظل الأزمة الراهنة محطة محفوفة بالمخاطر مايجعل أصحاب القرار في قطاع الخدمات المالية يفكرون كثيراً قبل أن يقرروا أين وكيف يمكنهم البقاء في سوق تتسم بالغموض في الوقت الحالي..
وعلى الرغم من أن التمويل الإسلامي يقدم مردوداً أعلى بمخاطر أقلّ لكن في المقابل لايمكن الرهان كثيراً على دور البنوك الإسلامية المحلية في التمويل التنموي، إذ إن هذه الأخيرة لاتزال تعاني تحديات كبيرة في السوق السورية تحول دون الاستثمار الحقيقي لعل أبرزها عدم القدرة على خلق أدوات مالية إسلامية بديلة تلبي رغبات المستثمرين وتحقق طموحهم وتكون قادرة على استقطاب الموارد وتوظيفها واختراق عمليات توظيف المبالغ بعوائد جيدة ومناسبة وكذلك إيجاد الكفاءات البشرية القادرة على التعامل بمفاهيم الصناعة المصرفية الإسلامية بكافة أعمالها والتوسع بالمجالات الأخرى غير المرابحة فضلاً عن تحدي إدارة المخاطر لجهة إدارة العلاقة مابين المستثمرين وأصحاب رأس المال..
وربما كان من المفيد هنا استحضار فكرة لم تُشبع بالنقاش- وهي إنشاء تجمع مالي إسلامي كبير عبر اندماج البنوك الإسلامية العاملة في السوق المحلية لجهة إمكانية تمويل المشاريع الاستثمارية الضخمة والاستثمار في الاقتصاد الحقيقي المنتج بدلاً من الاستثمار المالي الورقي مستفيدة من معدلات نمو أرباحها ولاسيما أن المصارف الإسلامية تتسم بملاءة مالية كبيرة وهي أقرب إلى بنوك الاستثمار لجهة عملياتها والتمويل الطويل الأجل!!.
في المحصلة لاتزال البنوك الإسلامية المحلية بعيدة عن استغلال نموها بشكل كامل وقد يعود ذلك إلى نقص الإدراك حول الفرص التي يتيحها قطاع التمويل الإسلامي خاصة أن الأخيرة لم تعمل على تطوير امكانات العمليات المطلوبة..
وبالنظر إلى معدل نموها السنوي وإجمالي أصولها وأرباحها ينتظر اليوم منها دور أكبر في تمويل الاقتصاد علماً أن هناك شريحة من المستثمرين تفضل التعامل مع البنوك الإسلامية التي أثبتت طوال الفترة الماضية فعالية في إدارة موجوداتها!.