الذي يخيم عليه ثبات وواقعية الموقف الروسي - الصيني بات من الواضح أن الازمة السورية انتقلت الى مستوى جديد تتخذ فيه طريقها للحل والتلاشي بعد أن تخلصت من براثن العربان وموجهيهم في الغرب الرأسمالي.
تأكيد الشيخ حمد بن جاسم في تصريحاته المتلفزة أمس الاول أن الموقف الروسي - الصيني عصي على الفهم وانه شكل صدمة لعرابي التدخل الخارجي في شؤون سورية لدرجة أنهم يتساءلون حسب بن جاسم عن وجود أي مصلحة لروسيا والصين يدل على الطريقة التي يفكرون بها اذ انهم يرون في المصالح الآنية والمؤقتة معيارا لبناء العلاقات الدولية وهذا ما لا ينطبق على سياسات الدول.
ويرى مراقبون أن مراهنة مشيخات الخليج على المصالح الاقتصادية فقط لتغيير الموقف الروسي - الصيني تشير الى أن راسمي سياسات هذه المشيخات النفطية بعيدون تماما عن الفهم الجيوسياسي الذي تفكر به دول عظمى كروسيا والصين فهاتان القوتان تدركان تماما اهمية موقع سورية كدولة في قلب العالم بعيدا عن معايير الربح والخسارة التي تنتهجها الشركات التي لا يمكنها الارتقاء الى مستوى الدول مهما علا شأنها.
وبدا الشيخ القطري محرجا وهو يجيب عن سؤال يتعلق بتأخير اجتماع مجلس التعاون النفطي الخليجي وتزامنه مع اجتماع مجلس الجامعة العربية ليقدم اجابة واضحة لا لبس فيها.. ان الوقت مهم لكن لدينا اتصالات دولية ويجب أن نستشف رأي المجتمع الدولي.
وقلل الشيخ القطري من أهمية أي اجماع عربي بشأن سورية تقوده مشيخته معلنا ذلك بقوله: أنا متأكد من وجود اجماع عربي ولكن نحن لا نسعى اليه بقدر ما نسعى لان تكون هناك محاولة دولية من نوع معين مقدما بذلك دليلا اضافيا على ان القرار السيادي الفعلي ليس لدى مشيخته بل هو موجود في الغرب الذي وضعت له روسيا والصين حدا وعطلت مفاعيله في مجلس الامن.
ويرى مراقبون ان بن جاسم كان موضوعيا في حديثه عندما اعترف بأن روسيا والصين من الدول الكبرى التي يحق لها اتخاذ حق النقض الفيتو ولكنه لم يحتفظ بموضوعيته طويلا عندما نفى نية مشيخته مقاطعة كل من روسيا والصين اذ كان الاجدر به القول: ان الدول العظمى هي التي تقاطع الامارات والمشيخات وليس العكس.
ولم يجد الشيخ القطري ما يستند اليه لتغيير الموقف الروسي - الصيني سوى ما تبثه وسائل اعلام يمولها باتت معروفة بعدم مهنيتها معتبرا انهما عندما تشاهدان ما يبثه الاعلام العربي والغربي المتآمر على سورية ستغيران رأييهما دون ان يعلم أن لدى الدول ذات السيادة مؤسسات عريقة تقدم معطيات حقيقية ودقيقة تتخذ بناء عليها القرارات الحاسمة موضحين ان هذا الرهان يدل على الآلية البدائية التي يتم اتخاذ القرار عبرها في بعض الشركات التي ظنت نفسها دولا.
ويرى مهتمون بالشأن السياسي ان المراهنة على الاعلام لتغيير مواقف الدول تقدم دليلا جديدا على الدور المشبوه المنوط بهذا الاعلام للتلاعب بالرأي العام كما تدل على حقيقة لطالما تحدث عنها الكتاب والمثقفون بأن بعض الشركات الكبرى تتخذ من الدعاية السوداء اسلوبا للترويج لنفسها في فضاء افتراضي ولكنها سرعان ما تختفي من الواجهة عندما تصبح المعطيات الجيوسياسية هي معيار التعامل في المؤسسات الدولية وهذا ما حصل بالفعل من بوابة الازمة السورية التي اظهرت الحجوم الحقيقية للقوى في المنطقة.
وعندما يصر بن جاسم على انه لابد للعرب أن يستمروا في طرق الباب الدولي لان العجز العربي واضح فانه يكشف ما رددته الاوساط الدبلوماسية السورية منذ بداية الازمة حول الاصرار العربي على نقل الازمة الى مجلس الامن لانها غير معنية بالحل بل كل ما هو مطلوب منها تقديم الغطاء لاستهداف سورية من قبل دول كانت حتى وقت قريب تسيطر على القرار الدولي.
وفي المحصلة يرى مختصون بالشأن الدبلوماسي أن الطريقة التي تعاملت بها سورية مع الازمة منذ البداية عبر تحديد عناصرها وآلية التعامل معها بثوابت ثلاثة تتمثل بالاصرار على الاصلاح والحوار وفرض سيادة القانون على الجميع تنسجم مع كونها دولة ذات سيادة وتمتلك خبرة وتقاليد وأعرافا دبلوماسية عريقة تعود لآلاف السنين في حين ان تخبط المتآمرين على سورية وارتباكهم عند كل فشل يقعون فيه يعود لحداثة تجربتهم في التعاطي الدولي اضافة الى عدم امتلاكهم أي مؤسسات وطنية قادرة على اتخاذ القرار واعتمادهم على الدوائر الغربية في كل ما يقومون به.