فهوى هذا الصقر فاقداً قدرته على التحليق في سياسة البيت الأبيض وأصبح خارج اللعبة وذلك في يوم ذكرى أحداث ١١ أيلول.
فابتسامته التي رافقت دخوله للبيت البيضاوي لم تجلب له الحظ كما كان يعتقد فما لبثت أن وطأت قدماه هذا البيت حتى بدأ يعبث كغراب، يرمي سحره الأسود هنا وأفكاره المتشددة هناك وقنابل حربه في كل مكان، فما كان من ناكث الوعود (ترامب) إلا أن رمى بولتون خارج البيت الأبيض مع ابتسامته التي كانت أعرض وأكبر يوم الخروج من يوم الدخول علّها تحفظ له ما تبقى من ماء وجهه، ليترك بين الابتسامتين تاريخاً أسود معلقاً على شانبيه.
(طلب الرئيس دونالد ترامب من بولتون تقديم استقالته فقدمها، ومن حق ترامب توظيف من يشاء في إدارته)، هكذا كان رد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو حين سئل عن إقالة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون.
قرار ترامب بإقالة بولتون اتخذ بسبب كثرة الخلافات فغرد ترامب قائلاً: (إنه أبلغ بولتون أن لا حاجة إلى خدماته في البيت الأبيض، وإنه اختلف بشدة مع كثير من اقتراحاته تماماً كآخرين في الإدارة).
وكان قد نقل مسؤولون في إدارة ترامب في تقارير صحفية مشاعر القلق المسيطرة على ترامب تجاه رؤية بولتون وتحركاته في كثير من القضايا من بينها الخلاف في موقف واشنطن لجهة أفغانستان والعراق وفنزويلا وكوريا الشمالية وإيران.
فقد عرف بولتون بمواقفه المتشددة التي دافع فيها عن وجود عسكري أميركي في جميع أنحاء العالم، في وقت تسعى فيه القوات الأميركية للانسحاب من أفغانستان وعقد اتفاق سلام مع طالبان هناك، فضلاً عن صفقة نووية مع كوريا الشمالية واحتمال اللقاء مع الرئيس الإيراني حسن روحاني.
التويتر مملكة ترامب التي يطل من شرفتها على هاوية واشنطن لم تعد له وحده، فبولتون شاركه تلك المملكة ليطل هو الآخر على الهاوية ذاتها حيث رد بولتون أيضاً بتغريدة قال فيها: (إنه هو من عرض استقالته)، وإن ترامب أجاب: (لنناقش المسألة غداً).
مغادرة بولتون أحدثت زلزالاً ليس لبولتون وحده فهناك الكثير ممن يختلفون مع سياسات هذا الرجل اليمينية المتشددة ولكن رفضوا طريقة خروجه من البيت الأبيض واصفين إدارة ترامب بأنها تعج بالفوضى العارمة.
فانقسمت الردود الأميركية بين من يرى أن سياسات الإدارة الأميركية لا تقف عند شخص واحد مهما كان شأنه، وبين من يشدد على أن هذه الإقالة خسارة للولايات المتحدة.
وكان لإيران رأي في إقالة بولتون، حيث ذكر المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي: (بأن المستشار المطرود وعد بأن إيران لن تبقى بعد ثلاثة أشهر، مضيفاً: نحن ما زلنا واقفين أما بولتون فذهب).
إيران لا تعول كثيراً على موضوع الشخصيات في الإدارة الأميركية، فهي تنظر لمجمل السياسات الخارجية للإدارة الأميركية.
ضعيف البصر بحسب ما وصفته كوريا الشمالية بعدما اتهمته بإحباط الاتفاق بينها وبين أميركا، أُقيل بعد عام وسبعة أشهر على تسلمه مهماته لكنه ليس الأول فهو ثالث مستشار للأمن القومي يقيله ترامب.
يتراود لدينا سؤال هنا: هل من الممكن أن تكون إقالة بولتون بمثابة قربان تقدمه الإدارة الأميركية للتقارب مع إيران؟
بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو أن ترامب قد يلتقي نظيره الإيراني من غير شروط مسبقة ربما يعني أن الإدارة الأميركية قدمت جون بولتون قرباناً للتقارب مع إيران.
وربما أيضاً ستسلك واشنطن مسلكاً جديداً عن السياسة التي كان يريد صاحب (شاربي الحرب) اتباعها فيما يتعلق بالعلاقات مع إيران.
وهذه التغييرات أيضاً تشير على ما يبدو للتغيير الذي يريده ترامب استعداداً لانتخابات رئاسية العام القادم.
وبينما قال ترامب إنه سيتخذ قرار تعيين خلف دائم لبولتون الأسبوع المقبل فقد عين البيت الأبيض نائب مستشار الأمن القومي تشارلز كوبرمان (٦٨عاماً) خلفاً مؤقتاً.
وخدم كوبرمان في إدارة الرئيس رونالد ريغان وكمدير تنفيذي في شركتي الدفاع (بوينغ) و(لوكهيد مارتن) قبل أن ينضم إلى إدارة ترامب في كانون الثاني الماضي.
وكان ترامب قد عيّن كوبرمان في فريق الأمن القومي في كانون الثاني ٢٠١٩، مستشهداً بخبرته لأكثر من ٤ عقود في الأمن القومي.
ويقدّر ترامب أسلوب كوبرمان المتمثل بقول (الحقائق فقط)، ويقول مصدر مطلع إنه إذا أراد ترامب الحصول على موجز للأمن القومي مرتبط بالتخطيط طويل الأجل، فهو كان يفضّل أن يحصل عليه من كوبرمان بدلاً من بولتون.
وكوبرمان هو مستشار منذ فترة طويلة لبولتون ويقال إنه يتماشى مع توجه بولتون المتشدد في السياسة الخارجية والتدخل العسكري.وكان بولتون قد أعلن في بيان للبيت الأبيض في كانون الثاني الماضي: (لقد كان تشارلي كوبرمان مستشاراً لي لأكثر من ٣٠ عاماً، بما في ذلك خلال فترة عملي مستشاراً للأمن القومي للرئيس ترامب، وإن خبرة تشارلي الواسعة في شؤون الدفاع ومراقبة الأسلحة والفضاء الجوي ستساعد على تعزيز برنامج الأمن القومي للرئيس ترامب).
السؤال الأكثر طرحاً هو: هل إقالة بولتون ستبشر بتغيير السياسة الخارجية الأميركية؟
لا أحد يتوقع حدوث أي تغيير في السياسة الخارجية الأميركية برحيل بولتون.
وبحسب محللين إن السياسة الأميركية مأزومة منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكن هذه السياسة ازدادت تأزماً مع ظهور بولتون وغيره من المتطرفين الأميركيين الذين سببوا حرجاً لسياسة ترامب الخارجية، لذلك على ما يبدو أن ترامب يحاول التخلص من بعض المتطرفين، لكن لن تتغير سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالدعم غير المحدود للكيان الإسرائيلي.