وقطاع غزة، معلنا عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في محيط القدس المحتلة، علما أن المستوطنات الإسرائيلية وبإقرار وإجماع المجتمع الدولي ومن ضمنه الولايات المتحدة الأميركية الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني غير شرعية وغير قانونية وتشكل عقبة كأداء في وجه «حل الدولتين» الذي راج كثيرا في الآونة الأخيرة.
فوتيرة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وفي محيط القدس المحتلة «القدس الشرقية» العاصمة المحتملة لدولة فلسطين الموعودة تزايدت بشكل قياسي في السنوات الثلاث الماضية من عمر حكومة التطرف التي يقودها الإرهابي بنيامين نتنياهو، بالرغم من التحذيرات التي وجهتها دول كثيرة لإسرائيل «من بينها دول كبيرة في الاتحاد الأوروبي» بضرورة وقف الأعمال الاستيطانية، من منطلق أن توسيع الاستيطان يمثل حجر عثرة في وجه التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين خاصة في الفترة الحالية أي بعد حصول الطرف الفلسطيني على دولة عضوية الأمم المتحدة بصفة مراقب وبتصويت ساحق بلغ 138 صوتا، ومن زاوية أن التوسع الاستيطاني ينتهك «التزامات» إسرائيل الواردة في خطة خارطة الطريق التي التزمت فيها إسرائيل التزاما واضحا بعدم بناء مستوطنات وأحياء جديدة في الضفة الغربية وعدم مصادرة المزيد من أراضي الفلسطينيين.
ومع سعي نتنياهو الحثيث لتشكيل حكومة صهيونية جديدة بعد الانتخابات الأخيرة يبدو أن هذا الأخير ليس في وارد التخلي عن مشروعه الاستيطاني وليس لديه أي نية بوقف أنشطة الاستيطان، علما أن الرئيس الأميركي باراك أوباما الفائز بولاية ثانية والذي يستعد لزيارة إسرائيل خلال الشهر القادم قد أثار مع نتنياهو موضوع الاستيطان وحل الدولتين في مرات سابقة، ومن المتوقع أن يكرر أوباما على نتنياهو طلبه بوقف الاستيطان من أجل إعطاء دفعة لما يسمى عملية السلام، لكن من دون أن يضغط على إسرائيل أو أن يقوم بإحراج نتنياهو الذي يعكف حاليا على تشكيل ائتلاف حكومي جديد يحتاج لدعم واشنطن ومباركتها دون أن يعني ذلك أنه سيعمر طويلا بسبب النتائج المفاجئة للانتخابات الأخيرة.
في العموم «المكتوب الإسرائيلي» يقرأ من عنوانه لأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بعد اتفاق أوسلو كان دائما يحكمها التطرف والتعنت والمكابرة وهذا ما آخر الحل، فمنذ التوقيع على إعلان المبادئ في 13/3/1993 تضاعف البناء الاستيطاني غير القانوني وغير الشرعي مرات عديدة ليشمل مصادرة أراض جديدة لاستيعاب هذا التوسع وبناء الوحدات الاستيطانية الجديدة في مستوطنات شتى، وزيادة على ذلك، تسارعت وتيرة تشييد البنى التحتية لهذه المستوطنات لتشمل شق الطرق الالتفافية وإقامة الجدار العنصري العازل من أجل ربط المستوطنات ببعضها وتقطيع أوصال الضفة الغربية.
والملاحظ أيضا أنه منذ عدوان عام 1967 والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تحاول تكريس احتلالها للأراضي الفلسطينية وفرض أمر واقع لا يمكن تغييره، فلم تكتف هذه الحكومات بنقض القوانين والمواثيق الدولية الرافضة للاستيطان غير الشرعي وغير القانوني، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين قامت بمصادرة الأراضي الخاصة في الضفة الغربية والقدس المحتلة والتي نصت الاتفاقات الدولية على حمايتها منذ اتفاقية لاهاي عام 1907 وصولا إلى اتفاقية جنيف عام 1949 حيث تمت الإشارة فيهما حصرا إلى عدم جواز مصادرة الأراضي الخاصة كليا.
وفي مواجهة القانون الدولي اتبعت حكومات إسرائيل سياسات محددة لسرقة ومصادرة الأراضي الفلسطينية وشرعنة بناء المستوطنات عليها مستفيدة من تلكؤ المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات قانونية ضد إسرائيل، ومن التغطية الأميركية المستمرة لجرائمها وانتهاكاتها لمبادئ القانون الدولي، وتذبذب المواقف الأميركية إزاء السلوك الإسرائيلي الاستيطاني والعدواني، فمثلا كان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر يصف المستوطنات باللامشروعة، في حين تصر الإدارات التالية على استخدام لهجة أخف وألطف واصفة الاستيطان بأنه غير مساعد على السلام وحل الدولتين وغير المقبول.
اليوم وبعد الاعتراف الدولي الواسع بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة كعضو مراقب تبدو إسرائيل وكأنها تغامر أو تدخل نفسها في أزمة مع المجتمع الدولي إن هي واصلت البناء الاستيطاني على أراضي الفلسطينيين الطامحين لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، ولكن إسرائيل لن تتراجع عن سلوكها ما لم تدرك أن الغضب الدولي يمكن أن يكون حقيقيا ويمكن أن يكلفها أثمانا غير جاهزة لدفعها.
وفي المقابل يدرك حكام إسرائيل أن الغضب الدولي على سلوكهم بشقيه العدواني الاستيطاني لن يتجاوز حد فرض حظر أو قيود على بضائع وصادرات إسرائيل المنتجة أو المصنعة في المستوطنات التي توصف بغير الشرعية مع العلم أن الكيان الصهيوني برمته غير شرعي وغير قانوني، وهذا بالطبع لن يؤثر كثيرا على اقتصاد الكيان الصهيوني ولا في قرارات مسؤوليه وسلوكهم ما دامت الولايات المتحدة كافلة وضامنة لأمنه واقتصاده ترفده بمساعدات اقتصادية وعسكرية تقويه وتجعله متفوقاً في محيطه.
بالمحصلة يتواصل الاستيطان الإسرائيلي مضيقاً الخناق على الدولة الفلسطينية الموعودة، جاعلاً من ولادتها أمراً عسيراً، ومن غير الوارد أن يتم التعويل على موقف أميركي إيجابي يصب في خانة الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة لإقامة دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس، لأن التاريخ الأميركي مع القضية الفلسطينية لم يكن يوما منصفا، ولا يرجح أن يستطيع أوباما فعل شيء في هذا الاتجاه حتى بعد أن اطمأن على ولايته الثانية لأن القرار الأميركي بخصوص إسرائيل ليس في يده وإنما يطبخ ويحضر في دهاليز اللوبي الصهيوني الموالي والداعم لإسرائيل.