شكري بلعيد درس الحقوق في دول المشرق العربي وأكمل دراسته العليا في القانون في فرنسا . وهو معارض تونسي بارز والرجل الديمقراطي الأول في تونس بلعيد يعد نصيرا قويا للضعفاء والمظلومين فهو الذي عمل في منظمات حقوقية وقاد أحزابا يسارية ذات توجه ديمقراطي علماني يساري غير متشدد والذي وقف في وجه هيمنة الاسلاميين على مفاصل الدولة في تونس والتي تجلت من خلال سيطرة حزب النهضة على أغلب مقاعد المجلس التأسيسي .
شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين اغتيل يوم الأربعاء الماضي 6/2/2013 وباغتياله يكون الستار قد اسدل على ثورة الياسمين التي طالما تغنى بها التونسيون لدى اسقاطهم لنظام زين العابدين بن علي وحلموا بعد سقوطه بدولة ذات توجه ديمقراطي ولم يخطر ببالهم أبدا أنهم كمن يستجير من الرمضاء بالنار عندما تولى حزب النهضة السلطة وأصبح يحكم بالحديد والنار . التونسيون اتهموا حزب النهضة بتدبير عملية اغتيال بلعيد وخرجوا الى الشوارع والساحات للمطالبة بإسقاط النظام الجديد واسقاط حكومة حزب النهضة حمادي الجبالي . الالاف من التونسيون شاركوا في تشييع المعارض شكري بلعيد حيث اتهمت عائلة بلعيد حركة النهضة الحاكمة وحملته المسؤولية عن اغتيال بلعيد .
مراسم التشييع التي جرت في منطقة جبل جلود بتونس وحضرها عشرات الالاف من أصدقاء ومناصري الفقيد .الخطوط الجوية التونسية ألغت كافة رحلاتها يوم الجمعة 8/2/2013 حدادا على اغتيال شكري بلعيد . الحشود الغفيرة من التونسيين شيعت بلعيد وحملت يافطات كتب عليها (كلنا شكري بلعيد) وكان هناك مشاركة لأفراد الجيش والأمن الذين انتشروا في شارع الحبيب بورقيبة وفي محيط مقبرة الجلاز لتأمين تشييع بلعيد بأمان وتجنبا لاندلاع أحداث ومواجهات لا تحسب عقباها بين المشيعين وكي لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة وسط دعوات من الحكومة والمعارضة للتونسيين بضبط النفس كي لا تنجرف المواجهات بين الطرفين الى العنف فتونس على حد قول وزير الداخلية التونسي تحتاج الى مزيد من الأمن وليس للعنف وهو الذي تعهد أي وزير الداخلية بأن يمر تشييع بلعيد بأمان في ظل التواجد الأمني الكثيف لعناصر الأمن والشرطة في كل مكان . وزارة الداخلية التونسية التي وصفت حادثة الاغتيال بالحادث الكبير وبالمصاب الجلل وطالبت الجميع في تونس بضبط النفس وطالبت الأحزاب بالتوقف عن التحريض لمصلحة تونس ككل وأنه لا مصلحة لأحد في البلاد بانتشار الفوضى وأن المستفيد الوحيد من اغتيال شكري بلعيد هو فلول النظام السابق.
الحزب التونسي للشغل دعا لإضراب عام في تونس ولاقى استجابة كبيرة من التونسيين الذين طالبوا بإسقاط حكومة الجبالي واجراء انتخابات مبكرة لأن حزب النهضة المتهم بتنظيم عملية الاغتيال يحاول السيطرة على كافة مفاصل الدولة .وأنه يجب على الاسلاميين وزعماء حزب النهضة تصويب مساراتهم واعادة حساباتهم وأن انتخابهم لا يعني تفويضا أبديا لهم . فالحكومة التي خرجت في ظل توافق وطني يجب أن تخرج أيضا بتوافق وطني والاعتراف بأن الاسلاميين فشلوا في تسيير أمور البلاد وذهبوا بتونس الى الهاوية .
الشيء الذي لم يعترف به حمادي الجبالي رئيس الحكومة والذي دعا الى تشكيل حكومة كفاءات لا يسيطر عليها الحزب الحاكم . الجبالي هدد بالاستقالة اذا لم يستطع تشكيل حكومة تكنوقراط . حزب النهضة رفض مبادرة الجبالي ورفض أعضاؤه المشاركة في حكومة لا يكون حزب النهضة سيد الموقف فيها . وأن انقساما حادا قد حصل بين أعضاء حزب النهضة نتيجة اغتيال المعارض شكري بلعيد بعد المواجهات التي شهدتها الساحات في تونس وحولتها الى ساحات حرب حقيقية.
حزب النهضة دان اغتيال بلعيد واتهم جهات خارجية لها مصلحة بإثارة البلبلة والفوضى في تونس ولا مصلحة للنهضة باغتيال رجل مهم كشكري بلعيد الذي يشكل استهدافه منعطفا خطرا في تونس كما صرح بذلك رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي .ولكن السؤال الذي يطرح نفسه من أين يستمد الجبالي قوته ليقدم مبادرة لحل الأزمة السياسية في تونس بعد اغتيال بلعيد ونفيه وجود انقسامات داخل حزبه .
الجبالي دافع عن مبادرته بقوله أنه يدافع عن مصلحة تونس وبرأي الجبالي أن المبادرة التي طرحها هي الحل الوحيد للمشكلة وأنه سيحاول اقناع حزبه بالمبادرة وان فشل فانه كما أسلف سابقا فانه سيقدم استقالته الى رئيس الجمهورية الجبالي قال في حديث لوسائل الاعلام بأنه سيمضي في تشكيل الحكومة لأنه لا يوجد حل في تونس سوى القبول بالمبادرة وان هي لم تحظ بالأغلبية فانه سيتوجه الى رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي بالاستقالة أملا بإعطائه فرصة لتحقيق مستقبل أفضل لبلاده . والحقيقة أن الجبالي اخترق القانون وطرح مبادرة تشكيل حكومة قبل تقديم استقالته واستقالة حكومته لرئيس الجمهورية ودون العودة لرئيس الدولة .ما يفتح الباب على قراءات جديدة للمشهد السياسي في تونس وأن حمادي الجبالي لم يقدم مبادرة لإسقاط حكومته بل أجرى تعديلا وزاريا . ورغم المشاورات المكثفة التي تجري خلف الأبواب الموصدة لتشكيل حكومة كفاءات جديدة لا تسيطر عليها الأحزاب ولا يسيطر حزب النهضة فيها على أغلب المقاعد في المجلس التأسيسي فقد بات مرشحا ومؤكدا هو سقوط الحكومة الحالية في تونس وأن تونس تتجه نحو حكومة وفاق وطني .
وحتى يتبين الخيط الابيض من الأسود في تونس فقد توالت الادانات الدولية لاغتيال المعارض شكري بلعيد حيث أدانت الولايات المتحدة الاغتيال واعتبرته عملاً ارهابياً بينما قال مايكل مان المتحدث باسم الممثلة العليا للأمن والسياسية الخارجية في الاتحاد الأوربي أنه يشعر بالقلق تجاه أحداث العنف التي وقعت في تونس وهو يدين اغتيال المعارض البارز شكري بلعيد . فرنسا من جانبها أدانت اغتيال بلعيد رغم ترديد التونسيين شعارات ضد فرنسا أثناء تشييع بلعيد طالبوا فيها فرنسا بعدم التدخل بشؤونهم وأنهم ليسوا بحاجة لوصاية فرنسية جديدة لأن تونس دولة مستقلة ولن يعود التاريخ للوراء ولن تعود فرنسا لتتدخل في الشؤون الداخلية لتونس أو تحقق أحلامها الاستعمارية التي بدأت تراودها من جديد لأنها ستظل أحلاما .