تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رفقاً بالجيوب المنهكة ..

مجتمع
الاثنين 18-2-2013م
منال السمّاك

التقشف ليس خيارك فأنت مُسيّر لا مُخيّر ، و عليك الخوض وسط موجات الغلاء المتلاطمة عالياً في محيط العقوبات الاقتصادية المفروضة خارجياً ، وضمن دوامات الجشع والطمع التي يثيرها التجار وأصحاب المهن الخدمية ،

الكل يشكو من لهيب الغلاء و استشراء الاستغلال .. والجميع يتلمس جيبه بينما ينهش جيب الآخرين و لكن حسب شطارته و فلهويته ..‏

الله يرحم أيام زمان‏

تقف أمام البائع مذهولاً حتى تكاد تظن نفسك أبلهاً أو فاقداً للذاكرة ، تعتقد أنك سمعت خطأً أو أن أذنيك قد أصابها شيء من الصمم بسبب التقدم بالعمر أو بسبب ضجيج الشارع ، تحاول أن تسمع التسعيرة مجدداً فتسارع للفت نظره للتسعيرة قبل يوم أو يومين ظناً منك أنه ربما أخطأ .. ولكن يجيبك بكل ثقة و تحد سافر لليرات المنتظرة في جيبك المنهكة .. (هذا كان مبارح يا أستاذ الله يرحم أيام زمان .. شو أنت مو بالبلد؟ ) .. عندها ستبحث ملياً عن البدائل أو ستقلص العدد والوزن و الكميات من قوت يومك، وتقنع نفسك وعائلتك بضرورة شد الأحزمة على البطون و الدخول بحمية اجبارية و تضرب عصفورين معاً ، تطيل عمر راتبك الشهري و تكتسب جسداً رشيقاً ، بعيداً عن الأمراض اللئيمة من كوليسترول وشحوم وسكري وارتفاع ضغط ، بينما ستعتريك موجة حادة من الاكتئاب لا دواء لها .‏

ادفع المعلوم‏

تصعد في سيارة التكسي مجبراً رغم ضيق الحال و يقينك أنك ستكون الفريسة المسكينة التي لا حول ولا قوة ، قد تكون ركنت سيارتك الخاصة جانباً وأعطيتها إجازة مفتوحة لتريح أعصابك من اللف و الدوران على بضع ليترات من البنزين و ( المطاحشة ) بين أرتال السيارات المنتظرة أمام الكازيات ، ومع ذلك لن ترتاح و أعصابك ستظل على شفير الانهيار ، سيبدأ السائق بالنق و السب وسط الازدحام و يلعن الساعة التي عمل فيها بهذه المهنة ، تنظر إلى العداد ظناً أنه قد نسي تشغيله فتحاول تذكيره ، فيلتفت إليك مستنكراً و كأنك شتمته ، تسكت على مضض وتبدأ تضرب أخماسك بأسداسك وتضع يدك على قلبك الذي يشرع بالنبض بتسارع أكثر من أي عداد بعد التعديل ، تصل فتعطيه المطلوب فينظر إليك بلؤم يكاد يشلك ثم يطرب مسامعك بالموشح الذي يردده كل السائقين .. البنزين غال والانتظار عليه بالساعات ، ربما كان عليك أن تدفع له عطلاً و ضرراً .. عندها تدفع المعلوم غير المنتظر و أنت تضحك و تلعب ، طبعاً من القهر !‏

حتى رغيف الخبز!!‏

حتى رغيف الخبز دخل حيز المزايدات و بات الحصول على ربطة خبز غنيمة تسير بها متباهياً و تدخل بها إلى بيتك و أنت تعانقها كالعاشق الولهان ، و للوصول لذلك النصر المبين تكون قد دفعت ضعف التسعيرة لتنجو بكرامتك من التدافع و العراك أمام الأفران و تحمي ملابسك من التمزق و توفر ساعات من الانتظار ، تختصر المعاناة باللجوء إلى بعض الأطفال الذين يفترشون الرصيف أمام الأفران و يعرضون ربطات الخبز بأسعار كاوية تدفعها مرغماً فرغيف الخبز حتى هذه الأيام ليس من الكماليات ، وتتساءل عن تلك المؤامرة بين الطرفين باعة الأرصفة و العاملين بالفرن ، ولماذا أنت الضحية !‏

استنزاف يومي‏

من المواد الغذائية .. إلى الغاز والمازوت و البنزين و قائمة طويلة من السلع الضرورية .. مسلسل يومي من الاستنزاف اللامتناهي لجيبك المسكين ، يبدأ من الصباح و لا ينتهي حتى المساء ، و ما إن تضع رأسك على وسادتك حتى تشعر بالغبن فقد دفعت أضعافاً مضاعفة ، و القهر يؤرق منامك و ربما يتسرب إلى أحلامك لترى نفسك في الكوابيس منفض الجيوب ممزق الملابس حافي القدمين تتسول على أبواب الجوامع ، تستيقظ صباحاً وتقرر أن تكون متفائلاً فأول الشهر آت لا محالة ، و الراتب الموعود عما قريب سيملأ الجيوب لبضعة أيام قبل أن يفرد جناحيه و يحلق من جديد ..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية