فمن يتابع التفاصيل من جانب الطرف الأمريكي نفسه يتوصل إلى حقيقة الأدلة الدامغة وبالأرقام ويقدر حجم المأزق الحقيقي الذي وضعت الولايات المتحدة نفسها فيه منذ غزو العراق واحتلاله من قبل القوات الأمريكية,كاعتراف وزير الخارجية الأمريكية السابق »كولن باول« وندمه على ممارسة الكذب من على منبر الأمم المتحدة ليسوغ لبوش شن الحرب,وليس ذلك إلا مجرد اشارة أو مثالاً واحداً أضيف إليه اعتراف الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان,قبل عدة أيام بعدم أحقية الحرب وعدم قانونيتها.ولكن دعونا نرجع إلى آخر اعتراف أمريكي حتى الآن وهو ما صدر على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين اولبرايت التي قالت إن الحرب في العراق تمثل أسوأ كارثة لسياسة الولايات المتحدة تفوق حرب فيتنام,لا من زاوية عدد الضحايا بل من زاوية عدم التفكير مسبقاً بالنتائج التي ستترتب عليها مؤكدة- -مثل مئات الملايين من البشر-أن صورة أمريكا قد شوهت بالكامل نتيجة تلك الحرب,وأن الأمريكيين طفح بهم الكيل من النتائج التي أفرزتها هذه الحرب. المتمعن بكلام السيدة اولبرايت لا بد له من تحكيم العقل وطرح مجموعة من الأسئلة :هل أربعة آلاف جندي قتيل في حرب طاحنة امتدت أكثر من خمس سنوات يمكن أن تطفح وحدها الكيل لدى الأمريكان,أم إن هناك أسباباً أخرى أكثر فداحة من هذا الرقم ومن استعداء العالم ضدهم.ما مدى مصداقية هذا الرقم »المتواضع« بالنسبة لما أنزلته قوات الاحتلال بالعراق من كوراث انسانية يومية?,وما أوقعته الشركات الأمنية العاملة على أرض الرافدين إضافة إلى المجموعات الإرهابية الآتية لمساعدة القوات الأمريكية.
هل أربعة آلاف أو خمسة آلاف قتيل بين صفوف القوات الغازية مقابل ملايين الضحايا والمشردين والمهجرين من العراقيين,يستدعي كل هذا الإصرار على الاستمرار في الجريمة والتمسك بكل الذرائع التي تبرر بقاء هذه القوات واستمرار الاحتلال.
أم إن هناك أسباباً أخرى ?!
هنا لا بد أن يسترعي الانتباه تركيز سلطات الاحتلال كلما ارتفع بارومتر عمليات المقاومة ضدها على محاولة اقناع العالم-وخصوصاً الأمريكيين-أن مشكلة العراق تتلخص بتفشي الإرهابيين والمارقين الآتين من الخارج »كتنظيم القاعدة« والمجاهدين المسلمين,أو الخارجين على الحكم و»العملية السياسية« من داخل صفوف الحكومة وتربية الوزارة.
ورغم ما في هذا الطرح من خلط للأوراق والتوجهات ,إلا أن القصد الأول والأخير منه محاولة التقليل أو التعتيم على تأثير فعاليات فصائل المقاومة الحقيقية,التي يقتصر نشاطها ضد الاحتلال في محاولة لإقناع الشعب الأمريكي بأن قواته في العراق لا تتشبث باستمرار وجودها كقوات محتلة,ولم تعد تستميت من أجل نشر »الديمقراطية« في بلد لا يحبذها ولا حتى لتحقيق وحدة وحرية هذا البلد كما كانت تتدعي.بل لحماية شعب الولايات المتحدة وأرضها من خلال مجابهة مجموعات الارهاب في الخارج لتحول دون وصولها إلى أراضي الولايات المتحدة,وهو ما سبق وأعلنه جورج بوش ليخفف من وطأة الممارسات الإجرامية واللاأخلاقية التي مارستها واقترفتها قواته المحتله ضد العراق وشعبه,وكي تبدو العملية بكل ما تتطلبه من خسائر أكثر شمولاً واقتناعاً من حدود استهداف بلد أو نظام حكم فقط..!!
من هذه الزاوية أصبح من مصلحة الإدارة الأمريكية أن تؤكد لشعبها أن ارهابيي العالم قد حطوا رحالهم في العراق,وأن هذا البلد أصبح يمثل مركز نشاطهم الخطر على العالم,ولهذا,فإنها لأجل الهدف الأكبر والمتمثل بمواجهتهم والقضاء عليهم ما زالت قواتها موجودة هناك,ومضطرة للبقاء ما دام هذا الخطر قائماً.
لقد أعلنت دائرة المحاربين القدامى الأمريكية أواخر كانون الأول الماضي وعلى موقعها الإلكتروني,بالرقم الحقيقي,حسب ما أورده حرفياً,موقع البصرة /عدد السبت 18 نيسان الماضي,وقد جاء فيه أن مجموع الخسائر التي وقعت في صفوف القوات الأمريكية حسب الإحصاءات المستندة إلى جداول رسمية منذ »حرب الكويت« عام 1991 وحتى أواخر /2007/هو 73846 قتيلاً ومليون و620906 جرحى.
وإذا أدركنا أن حرب عام 1991لم توقع تلك الأعداد الكبيرة من القتلى في صفوف الأمريكان,عرفنا أن كامل هذا الرقم تقريباً يعود إلى خسائر الحرب الأخيرة في العراق.
ربّ قائل يقول إنه من غير المعقول هذا الرقم ولا يمكن تصديقه ,والجواب على ذلك,ربما,ولكن,إذا كان الأمر كذلك,لماذا لم تحاسب الإدارة الأمريكية دائرة المحاربين القدامى على هذه الكذبة الكبرى,ثم لماذا لم تجد وسيلة لدحضها على شطب هذه الصفة من موقع المحاربين القدامى,وليس ذلك فحسب,بل عملت على شطب الموضوع كله من موقع آخر قام بنقله وهو موقع »انيفور ميشن كليرنغ هاوس«ترى بماذا يمكن أن ترد الإدارة والبنتاغون,وهل ستكذبنا أو تعود لتكذيب المحاربين القدامى ولو بعد حين..?