لكن ذلك عبثاً أن نستمر في تلك الأمنية مادامت سياسة البوارج كان مقصدها شيئاً آخر ألا وهو نشر الفوضى القاتلة وعدم الاستقرار وقهر الشعوب وإذلالها كي تكون رهينة ومستعبدة ,لكن أرادوا جعل هذا العالم ملكاً لهم ومملكة لأهوائهم ونزواتهم اللاإنسانية واللاأخلاقية التي جلبت الدمار تلو الدمار والقتل تلو القتل.
الأساطيل الأمريكية التائهة في بحار العالم ومحيطاته منذ عقود من الزمن يبدو أنها تبحث عن الجديد من الفرائس والطرائد, فهي كما هو حاصل تجوب الأرض والبحر والجو ولاسيما مايخص الأرض العربية أو الإسلامية باعتبار أن هذه الأرض هي منطلق للشر ومحور للإرهاب المزعوم وزعزعة استقرار العالم وتحت هذه الذريعة تجوب تلك الأساطيل لنزع فتيل ذاك الشر ولإعادة السعادة والأمن والأمان للشعوب كما هو حاصل للعراق وأفغانستان اللذين يدفعان الثمن غالياً كل يوم مع مرور خمسة أعوام على احتلالهما تحت لافتة استئصال الإرهاب منهما. إلا أن حقائق الأمور فيهما غير خافية على أحد بعدما انكشف الزيف والخداع الأمريكيين عن أسباب غزوها لهما والحال التي آلا إليهما بفعل الإرهاب الأمريكي الذي حولهما إلى خراب ودمار لم تشهده البشرية من قبل.
والمنطقة العربية ستبقى كما يبدو تحت المرمى الأمريكي الإسرائيلي من المحيط إلى الخليج, إذ إن العودة إلى حصار الشواطئ العربية في إطار تلك السياسة الاستعمارية الجديدة لواشنطن هو في صلب هذا التوجه الأمريكي لانتهاك سيادة الدول كاللبنان وتهذيب دول أخرى كسورية وايران لكونهما من المحور المقاوم للمشروعات الأمريكية والرافضين لسياسة الهيمنة لإدارة الرئيس بوش, وتنفيذاً لذلك جاء توسيع نشر البوارج باتجاه الشواطئ اللبنانية وفي الخليج العربي وباتجاه دول في أمريكا الجنوبية أيضاً ترجمة حقيقية لتلك السياسة الرعناء لأركان الفريق الحاكم في واشنطن والكيان الصهيوني.
إن إرسال تلك البوارج والأساطيل إلى تلك المناطق وآخرها إلى شواطئ لبنان إنما هو من باب دعم الاستقرار في هذا البلد وفي المنطقة ,لكن الذي حصل كما نشاهده اليوم هو على العكس تماماً ,فهاهو الاستقرار قد تزعزع والسيادة قد انتهكت وأمن المنطقة العربية بمجملها أصبحت مهددة من كل الجوانب على خلفية هذا الانتشار الشيطاني الجديد للأساطيل الأمريكية ,ومايزيدنا قهراً وتعجباً أن نرى بعض الأصوات العربية تدافع وتبرر عن ذاك الوجود البحري الأمريكي غير عابئة لما تمثله من عدوان وفرض لإرادة الاحتواء وتدخل في السيادة اللبنانية بشكل مباشر وغير مباشر واستكمال لحلقات وضع لبنان تحت الوصاية الدولية بدءاً من وجود قوات اليونيفيل في جنوبه تحت ذرائع وحجج لحماية الأمن والاستقرار وهي في الحقيقة لحماية أمن اسرائيل من جهة ولحصار المقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني من جهة أخرى وتضييق الخناق عليها في إطار الهدف المعلن لتجريدها من السلاح وتحويل جنوب لبنان بالتالي إلى منطقة عازلة تضمن أمن اسرائيل وبالتالي إفراغ لبنان من كل مايمت ويتصل بالنهج المقاوم للمشروعات الأمريكية الصهيونية في المنطقة.
إن أمريكا مازالت تمارس سياسة فوق القانون والمستثناة منه, بل وإنها هي وحدها القانون بعد أن سقطت حرمة جميع الشرائع الدولية وبعد أن فرضت معاييرها وأحكامها على العالم دون أن تجد أحداً في طريقها يعارضها في ذلك ويقول لها كفى. وهي التي تخوض الحروب ضد من شاءت ومتى شاءت غير آبهة بأحد وباحتجاج هذا أو ذاك وهي التي أيضاً استثنت مواطنيها من المثول أمام العدالة الدولية وبنود القانون الدولي, وهي وحدها التي باحت لنفسها أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول غير عابئة بحرمة السيادة الوطنية وحرمة الشعوب وإرادتها وسيادتها لأن على العالم وفقاً لمنطقها هذا أن يقدم فروض الطاعة وأن يصمت على انتهاكها القانون الدولي بل على هذا العالم ألا يرى ولايتكلم ولايهمس ببنت شفة معارضاً أو محتجاً.