تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لغة (التشاطر) السياسي في الزمن الضائع

شؤون سياسية
الأربعاء 21/5/2008
بقلم د. أحمد الحاج علي

لم تعد الكلمة محاصرة بالدم, بل صارت هي الدم نفسه, تختلج في حروفها الصبوات الأسيرة, وتجهد كي تخترق سجف العتمة والتزوير لعلها تنير بقعة أو زاوية في مناخ الظلام الدامس, ولكنها سرعان ما تنكفئ على أبعادها وهي لا تجد منفذاً إلى الحقيقة.

هكذا حاصرونا في ذاتنا, وها هم الآن يحاصروننا في كلمتنا, يريدوننا أن تكتب بالدم لكي ينهض من يرد علينا بالدم, ويغلقون الأفق أمامنا حتى لنكاد نتخبط خبط عشواء رصاصة ضالة هنا وكلمة عمياء هناك, والساحة مفتوحة على المجهول, والأشباح تتحرك في الزوايا المعتمة, لا يلقي القبض عليها أحد لأن ما يظهر منها هو صرخات التشويه ورشقات الرصاص الأبكم والأعمى,والكلمة تلهث تستنجد بمن يمدها بالغوث, وتناشد ما تبقى من مواقع الخير أن يقدموا لها دواة حبر, لأن بقع الدم قد تكتب سطراً, ولكنها لا تسعف في تأليف كتاب الحياة الكبير.‏

والمعاناة يعيشها في هذه اللحظة العربي الشريف, هذا الإنسان المحاصر من خارج الحدود, ومن التخوم, وها هو يحاصر بذاته من ذاته, وتأتلف الصورة بطريقة التكالب والطوفان حتى يلقي المناضل بندقيته ويستغني المثقف عن كلمته, ثم يتوارى الاثنان معاً, صاحب الكلمة وحامل البندقية الشريفة في إحدى الزوايا المحاصرة بالتزييف والتهييج والتمثيل على الحقيقة, واعتماد منهج التهريج في تغطية الواقع الأليم بقصد تمريره وتبريره.‏

لقد صرنا أمة تمتد إلى داخلها بحركة معاكسة, لتعيش حالة الاقتتال والتهريج وتدبيج موائد السياسات دون أن نفطن إلى خطر ينتظرنا, وهوان يسحق هاماتنا جميعاً, ودون أن نتذكر أو نستذكر أن غدر العربي بالعربي حرام, وأن دم العربي على العربي حرام, وأن الكلمة التي يقتل وجدانها ويجف مدادها ويتناثر شرفها, تصبح في اللحظة الحرجة داءً وليس دواء, والبصر والبصيرة معاً يمتدان إلى اللوحة الشوهاء.‏

في العراق يتقاتل الإخوة, في فلسطين يتقاتل الإخوة, في لبنان يتقاتل الإخوة, حتى لكأن العدو وما يريد غائبان تماماً, ولا صلة لهما بما يجري في هذا المشهد الحرام.‏

أكاد أقول مع أوبريت الضمير العربي وقبله أوبريت الحلم العربي, لقد ماتت قلوب الناس, وماتت فينا النخوة, يمكن نسينا اليوم أن العرب إخوة, ولا تستهينوا بالأداء البسيط عبر كلماته المفعمة قهراً وصبراً, فذاك هو حال الأمة, ولا يقوى على تصوير هذا الحال سوى هذا التدفق البسيط المتبلور, وقد جاء من قناة الفن الأصيل يعلن بدء المأساة ويطلب إيقاف زحفها, في الأيام السود وحينما تنفجر في وجهك خرمة البارود والتشويه والجنون تكون مخيراً بين الموت بالصمت وبين التعبير بطريقة الخلاصات المتبلورة المعمدة بالدم الزكي والحزن العميق, ولا أجد مدخلاً أو مخرجاً من اللحظة الراهنة في الواقع العربي سوى هذا الارتداد إلى الذات واستنهاض آخر المقاصد والحقائق فيها, وإلا فكيف يمكن لنا أن نفسر ما يجري, والخطر فيه ماثل والعدوان بأركانه وخططه صارخ همجي, وهذا هو العامل الأقسى على وجدان العربي, إن كان يحمل بندقية أو كان يؤمن بكلمة أو كان لا يزال موجوداً على قيد الحياة.‏

كنا نعتقد أن المسألة ما زالت تراوح في منطقة تزوير الحقائق واستحداث معايير لخلق محاور جديدة في الصراع, ولفتح جهات أربع خارج حدود الجغرافيا العربية, خارج التاريخ العربي, يكون الهدف من ذلك كله إعطاء الفرصة للعدو الصهيوني وللجلاد لكي يلملم أشلاءه, ويضمد جراحاته النتنة, ويحاول أن يقول لنا جميعاً بأنه ما زال قوياً وما زال قادراً على أن يمرغ الحق العربي والكرامة العربية في التراب, ويطلقهما معاً إلى مجاهل النسيان,الآن تقدموا خطوات أخرى, عثروا على رموز وسياسيين وأشخاص ومريدين, جمعوهم جميعاً في جوقة واحدة, سلحوهم بالحقد ودربوهم على لعبة التزييف والتجارة بالموقف والكلمة معاً, ثم أطلقوهم في لحظات متراتبة ليكون الناتج هو اقتتال عربي.‏

والإشكالية الكبرى أن العقل العربي العام حتى هذه اللحظة لا زال ينجرف نحو المشهد الأخير ولا يدقق في المصادر والمنابع وحالة الالتباس بين ما هو معلن وبين ما هو مستقر في السياسات الهوجاء, هذا هو لبنان أمامنا, معنا, وفينا, في قلوبنا وعلى أعيننا, وهو البلد العربي الصغير الكبير الذي بنى المقاومة على مدى عشرات السنوات, وأطلق طاقة النضال في زمن التهريج والسياسات المدجنة,ولبنان لم يعد ممراً لرغبات الآخرين, وإن كان الآخرون أميركا أو بعض الغرب وامتداداتهم عبر الكيان الإسرائيلي, لبنان تخلق منذ زمن طويل في حاضنة العروبة والمقاومة والعلم, وصار مستقراً يرد الخطر من جهة,وينجز التجربة بكل روعتها كما في العام ,2006 ويقدم المثل المتفتح لكي يرتد الجميع من الضياع إلى وجود من الثرثرة إلى الحدود, والمقاومة هي ذاتها في فلسطين وفي العراق كما هي في لبنان, كان الأصل أن نتحد على المقاومة في زمن عربي عزت فيه مصادر الاتحاد ومقومات الوحدة.‏

والمقاومة ليست شعراً أو نثراً, هي دم شريف وهي مواجهات خارقة وهي استكمال لشروط صفاء الروح وأخلاقيات الالتزام والتعبير عن ذلك في كل مواجهة مع العدو الأميركي والصهيوني, إن استترت هذه المواجهة أو كانت على مرأى ومسمع العالم كله, لم يكن يخطر ببالنا كبشر وأخال أن الشيطان نفسه لم يكن قادراً على تذكر أو ابتداع أشخاص ومواقف تمتلك هوس التزوير إلى هذا الحد, إن هؤلاء المزروعين في لبنان الشقيق لا يمارسون دوراً طارئاً عليهم, أكاد أقول, إنهم ولدوا لدور يقوم على خلط الأوراق وزج الناس في محرقة لا أساس لها ولا مصدر لها إلا النية المسبقة والدور المرسوم, كنا نتوقع من خلال آلامنا وآمالنا أن يتحد الجميع حول المقاومة في لبنان لا أن يستغرق البعض دهاءه ووظيفته الأخلاقية في المكرو تدبير المزالق في مسعى محموم لقلب الحقائق, نسي هؤلاء السياسيون في لبنان وفي غير لبنان أن المقاومة هي المعادل المعاصر والنظيف للحياة العربية المكلومة, وأنها امتلكت شرط الطهر والانتماء قبل أن تمتلك عبقرية القتال ومسلكية الرد المناسب على العدو, ولهذا السبب تتساقط مع كل لحظة ذرائع الموظفين السياسيين في لبنان وتفرض الحقيقة نفسها وإن كان المناخ سديمياً وضبابياً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية