ومن الواضح تماماً أن ميدفيديف سيتابع نفس النهج السياسي والاقتصادي على النطاقين الداخلي والخارجي الذي كان سائداً إبان رئاسة بوتين ,ويتوضح ذلك أيضاً من خلال جدول برنامج النشاطات الدبلوماسية للرئىس الجديد, فزيارته الخارجية الأولى المخطط لها ستكون إلى الصين يومي 23-24 أيار الحالي, وسيزور كازاخستان الدولة المقربة من موسكو والحليفة لها, وفي شهر حزيران من المقرر أن يشارك ميدفيديف في قمة روسيا - الاتحاد الأوروبي التي ستعقد في مدينة (خانتي - مانسيسك) الروسية الواقعة في سيبيريا الغربية, بعد ذلك هناك قمة (مجموعة الثماني) وفي آب تنتظره قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي ستعقد في العاصمة الطاجيكية (دوشنبه) وفي الفترة القريبة القادمة, سينصب اهتمام الرئيس الجديد بالتوجه نحو الشرق والدول الآسيوية وبعدها ستكون نشاطات الرئيس على المحور الأوروبي.
ومن الصعب التنبوء بدقة, هل ستكون جولات الرئيس الجديد كما كانت جولات بوتين الأولى قبل ثماني سنوات, عندما أعلن أن الأولوية في السياسة الخارجية الروسية, يجب أن تكون موجهة نحو العلاقات مع الجمهوريات السوفييتية السابقة, وأيضاً لتلك الدول التي كان للاتحاد السوفييتي علاقات صداقة وتعاون وطيدة معها, وخاصة تلك الدول مثل فيتنام ومنغوليا وغيرهما, وكذلك بعض دول الشرق التي كان للدولة السوفييتية علاقات تقليدية معها, والتي لم يقم بها سلفه (الإصلاحي) يلتسن.
في جميع الأحوال, من الواضح أن خلف بوتين ميدفيديف سيتابع مسيرة سلفه, ويسير بموجب برنامج النشاط الدبلوماسي الخارجي الذي وضع بداية خلال رئاسة بوتين لروسيا, وربما ستكون ضمن زياراته الأولى إلى واحدة من عواصم دول رابطة الدول المستقلة, وستكون كازاخستان الدولة الأكثر قرباً من روسيا وحليفها الأهم من بين كل الجمهوريات السوفييتية السابقة. أما بالنسبة لأوكرانيا فقد غرقت في الفوضى السياسية نتيجة (الثورة البرتقالية) في شتاء عام 2003 - 2004 إذ إنه وعبر هذه الثورات تمكنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من دفع قوى معادية لروسيا إلى موقع السلطة, والنتيجة أن أوكرانيا فقدت نفوذها في منطقة رابطة الدول المستقلة, رغم العلاقات القوية بين المواطنين الروس والأوكرانيين.
وبالنسبة للصين فإنها وخلال السنوات العشر الأخيرة ,شغلت المرتبة الثانية أو الثالثة على قائمة شركاء روسيا الاقتصاديين, من الناحية السياسية, يشعر أي مسؤول روسي في بكين بالارتياح مثلما هو الحال في العديد من العواصم الآسيوية الأخرى التي لا توجد علاقات متوترة بين أي منها مع روسيا, كما هو الحال مع العديد من الدول الغربية التي تشهد علاقاتها مع روسيا أوضاعاً غير ملائمة, على عكس العلاقات مع الصين, التي يجد الروس دائماً تفاهمات بشأن أي قضية دولية. ولا يعيق أحدهم عمل الآخر ونشاطاته ومصالحه في هذه المنطقة أو تلك من العالم, وحاولت الدعاية الأميركية - الأوروبية خلال الأعوام الأخيرة ترهيب الرأي العام الروسي من الصين, وتصوير هذه الدولة على أنها مصدر تهديد لروسيا, لكن لم يتأثر بهذه الدعاية أحد في روسيا, على المستوى الرسمي ولا على المستوى الجماهيري.
فالصين تشغل أهمية أولى بالنسبة لروسيا, وتشهد العلاقات الودية تطوراً ملموساً على كل المستويات, وتشكل معاهدة (منظمة شنغهاي) أساساً متيناً لعلاقات متميزة بين الدول الثلاث (روسيا - الصين - كازاخستان) التي تشكل هذه الدول الثلاث البنية الرئىسية لهذه المنظمة.
أما فيما يتعلق بقمة الثماني, التي تشارك فيها روسيا فقط للتأكيد أنها (دولة عظمى) وتنظر روسيا إلى الثماني كمنظمة وضع عليها الكثير من علامات الاستفهام والتساؤلات فيما يتعلق بنفوذها الفعلي والهدف من وجودها, وكانت روسيا قد عبرت أكثر من مرة عن رغبتها بتحويل المنظمة إلى نادي الدول (العشر) الكبرى في العالم بعد ضم الصين والهند إليها.
تحاول بعض القوى الموالية للغرب في الأوساط الروسية, وضع ميدفيديف على قائمتها ووصفه أنه مؤيد للتوجه نحو الغرب, وهناك الكثير من الإشاعات أن ميدفيديف (لم يرغب بالسفر إلى الصين )ولكن كل هذه الإشاعات ليست حقيقية وهي مجرد إشاعات, وسيجد ميدفيديف صعوبات في التعاطي مع قادة الغرب خلال قمة روسيا- الاتحاد الأوروبي في خانتي -مانسيسك هذه المدينة الروسية الغنية بالنفط, والتي تشكل العاصمة الإدارية لصناعة النفط الروسية ما يعني أننا أمام تذكير أن أوروبا ستواجه أزمات في حال فقدت النفط والغاز الروسيين ويلاحظ كثيرون أن قمة روسيا - الاتحاد الأوروبي ليست أكثر من عضو اصطناعي للعلاقات الروسية - الأوروبية التي تعاني من صعوبات في القدرة على السير إلى الأمام, علماً أن حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي زاد في العام الماضي عن 270 مليار دولار,مقارنة ب 58 مليار للعام .2000
والرئيس الجديد ديمتري ميدفيديف يعرف تماماً جوهر الاعتراضات الأوروبية بحق روسيا, إذ لم يعجب الأوروبيون عدم رغبة موسكو بتوسيع مجالات العمل أمام الأوروبيين في مجال الطاقة في روسيا, وهناك تناقض في المواقف بشأن استقلال كوسوفو, وهناك الكثير من الخلافات بينهما, ونذكر هنا الرغبة الجامحة لدى الأوروبيين, إن لم يكن على المستوى الرسمي فعلى مستوى بعض المنظمات غير الحكومية, بزرع أنظمة حكم أياً كانت المهم أن تكون معادية لروسيا في الجوار الجغرافي الروسي, وأن تنصب بالقرب من روسيا قواعد رادارات ضمن خطة الدرع الصاروخية.
والكثير غيره ,والانتقادات لدى كل طرف نحو الآخر كبيرة ويعرفها الجميع, ولا سيما أن روسيا رفضت في بنية الغرب في إطار مواجهة آسيا التي تتنامى قوتها, واتضح أن لدى روسيا مصالح مختلفة تماماً عن الغرب, وأنها لا تتعامل بنفس الفلسفة السياسية السائدة في الغرب, فروسيا ليست عدوة للثقافة الغربية, ولكنها ليست جزءاً منها, هذا هو العالم الجديد للرئيس الروسي الجديد الذي سيتعاطى معه خلال السنوات القادمة.