وإنما تعني أنه لا وجود لانفصال بين عام غادر, ولكنه لم يحمل معه كل حقائبه وأوراقه وكل أزماته التي حفل بها, وحمل أثقالها أعضاء مجلس الشعب إلى المجلس كأسئلة قلقة تبحث عن إجابات سريعة وملحة إلى الحكومة العتيدة, ومن أبرزها المطالبة الدؤوبة برفع الرواتب والأجور وتحسين الأوضاع المعيشية , ومعالجة قضايا الغلاء والفساد والتهريب, والاهتمام بالقطاع الزراعي والعمل على تذليل عقباته, وبين عام جديد يحلم فيه المواطنون بمعالجة الملفات الباقية من هذه الأزمات, وبمزيد من العطاء الجاد الذي يكسب هذه المؤسسة التشريعية أبعادها المرجوة وطنياً وقومياً.. ويعزز الثقة بدورها.
أحياناً أتوقف بذاكرتي أمام الحوارات المكثفة التي تمت طوال العام الماضي في إطار ما يسمى » الحوار المحبب« أثمرت سلة من الإجراءات الاقتصادية الهامة, وإن تأخرت الحكومة كثيراً في إقرارها.. وهذا يعني أن الحوار الشفاف لا بد أن يخترق الأسوار ليصل إلى أهدافه , أو إلى بعض أهدافه. لا بد من الاعتراف بأن تأخر الحكومة في رفع الرواتب والأجور وزيادة أسعار المحروقات أنتج أزمات جديدة وجدت الحكومة نفسها في مواجهة ردود فعل على إجراءاتها التي أظنها كانت تحتاج إلى مزيد من الدقة ومعرفة النتائج المحتملة, فإجراءات الحكومة لم تلحظ ما سينتج عن ارتفاع أسعار المازوت إلى أن جاءت ردود الفعل فكانت أزمة الخبز وأزمة أجور النقل.آخر ملاحظة في هذا الصدد - ونحن في بداية عام ثان وبداية دورة جديدة- حول اسئلة الأعضاء , كانت متشابهة جداً وتتقاطع في إطار مصلحة المواطن والوطن, وقلما وجدنا خصوصية فردية في حوار أو سؤال وهذا يعبر عن حيوية مساهمات الأعضاء وصحة التواصل مع مطالب الناس.
العام التشريعي الذي مضى ليس أسئلة وأجوبة فقط , وإن كانت الأسئلة والأجوبة في مضمونها تشكل تعبيراً عن واقع تعيشه المؤسسة التشريعية ويعبر عن حيويتها . ونتيجة طبيعية لرؤية الناس لمهام المجلس, فالمواطنون يتوقفون كثيراً عند ما انجزه المجلس حول شؤونهم المعيشية إضافة إلى مهام أساسية أخرى تتعلق بإنجاز القوانين والتشريعات. العام المنصرم كان طلوعاً بطيئاً وسريعاً , ولكنه كان تحركاً إلى الأمام في النهاية, وحفل بإنجازات هامة جداً حققتها المؤسسة التشريعية, في طليعة هذه الإنجازات, أو بالأحرى ما يتوجها موافقة مجلس الشعب بالإجماع على قرار القيادة القطرية بترشيح السيد الرئيس بشار الأسد لفترة رئاسية جديدة, لسبب مهم هو أن الرئيس بشار الأسد أكد قدرته على قيادة سفينة الوطن باقتدار كبير في وسط عواصف التحدي التي قلما نجدها على بلد آخر في هذا العالم , وهذا ما عزز ثقة جماهير سورية والوطن العربي به وبقيادته, وزرع فيهم الأمل بالانتصار على التحديات التي تواجهنا بكل أشكالها الاقتصادية والسياسية. مجلس الشعب في عامه الأول, أنجز مجموعة من مشاريع القوانين, وناقش مع الحكومة مجمل الهواجس التي يعيشها المواطن, وتحرك المجلس عربياً ودولياً عبر المؤتمرات واللقاءات البرلمانية لشرح الموقف السوري من مجمل القضايا العربية الراهنة ويأتي في طليعتها موضوع الحصار على غزة , والإرهاب الصهيوني في فلسطين, والاحتلال الأميركي للعراق وقضايا أخرى..
جلسة الأحد الماضي التي جاءت بداية لدورة عادية بعد إجازة دامت شهراً ونصف الشهر انتجت انتخاب مكتب المجلس. جرت تعديلات طفيفة على المكتب القائم , مهمة رئاسة المجلس استمرت للدكتور محمود الابرش, الذي أكد طوال العام الماضي قدرة على القيادة وضبط النقاش وتوجيه الحوارات في الاتجاه الصحيح, وهذا رأي شائع في المجلس , وقد أكدته نتيجة الاقتراع توثيقاً عملياً لهذه الثقة التي استحقها بجدارة.بعد انتخاب الدكتور الابرش توجه بكلمة قصيرة أعرب فيها عن شكره العميق لأعضاء المجلس على ثقتهم الغالية, وقال: إنه كان طوال العام المنصرم على مسافة واحدة من الجميع وإنه سيعمل بكل صدق وبروح المسؤولية العالية في ظل القيادة الشجاعة للرئيس بشار الأسد. الجلسة الأولى وبالرغم من وجود الحكومة كلها بدءاً من رئيس الحكومة إلى نائبه إلى الوزراء كافة وبقائهم في الجلسة إلى نهايتها لم يتوفر مجال للحوار معها لأن الجلسة كانت انتخابية..
يأمل أعضاء مجلس الشعب أن يكون هذا العام حافلاً بالعمل والحوارات الجادة مع الحكومة , وكان السيد رئيس المجلس قد ألمح في الدورة السابقة.. بل وعد بتوفير إمكانية لمناقشة كل وزير على حدا . في خطة عمله بوزارته للوصول عبر جهد مشترك إلى عمل ناجح ويصب في مصلحة المواطن, عبر تحقيق الرقابة المطلوبة من المجلس والتي تعتبر من صلب مهامه. وكما وعد تم البدء بحوارات مع السادة الوزراء خصصت جلسةللاثنين كاملة مع وزير المالية و الثلاثاء مع وزير النفط و اليوم الاربعاء مع وزير الكهرباء وغداً الخميس مع وزير الري وسنعمل على تقديم أهم الحوارات في زوايا قادمة كونها تمنح المجلس فاعلية و حيوية تصب في خدمة الوطن و المواطن ..
وأخيراً..
عندما ينطفىء الحوار في حياتنا في مؤسساتنا وفي علاقاتنا مع المواطن و الحكومة وفي المؤسسة الحزبية نفقد كثيراً من وجودنا وكثيراً من قدرتنا على البناء وعلى النجاح.أذكر الآن ذاك اليوم الذي وقف فيه الرئيس بشار الأسد أمام المؤتمر القطري عام 2000 ليؤكد على أهمية الحوار في حياتنا في المنزل وفي الشارع وفي مؤسساتنا وفي أحزابنا , لأنه التعبير الحيوي والحضاري لعمل ناجح.