|
أوتار.. لا تأمن للدهر فهو قلاب غلاب!! اراء معظم الناس يتأففون من عيشتهم سواء كانوا أغنياء أم فقراء. الغني يطلب الاستزادة والفقير يقضي حياته في الأمنيات التي لا طائل من تحتها أو ورائها.
ولم يترك العرب في هذا المجال لا شاردة ولا واردة ..إلا ما قالته روي عن أنس بن مالك قوله: ما من يوم ولا ليلة ولا شهر ولا سنة إلا والذي قبله خير منه وعن معاوية قال: معروف زماننا منكر زمان قد مضى, ومنكره معروف, زمان لم يأت.. وحكي عن شيخ من حمدان قال: بعثني أهلي في الجاهلية إلى ذي الكلاع الحميري بهدايا. فمكثت شهراً لا أصل إليه ثم بعد ذلك أشرف إشرافة من كوة له, فخرّ له من حول القصر سجداً ثم رأيته بعد ذلك وقد هاجر إلى حمص واشترى بدرهم لحماً وسمطه خلف دابته. وهو القائل هذه الأبيات: أفٍ للدنيا إذا كانت كذا أنا معها في بلاءٍ وأذى إن صفا عيش امرئ في صبحها جرعته محسياً كأس الردى ولقد كنت إذا ما قيل من أنعم العالم عيشاً قيل ذا وقال يونس بن ميسرة: لا يأتي علينا زمان إلا بكينا منه, ولا يتولى عنا زمان إلا بكينا عليه, ومن ذلك قوله: ربّ يوم بكيت منه فلما صرت في خيره بكيت عليه ومثله أيضاً: وما مر يوم ارتجي فيه راحة فأخبره إلا بكيت على أمسي ومن كلام ابن الاعرابي: عن الأيام عد فعن قليل ترى الأيام في صور الليالي » وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه« ما قال الناس لشيءٍ طوبى إلا و قد خبأ له الدهر يوم سوء. قال الشاعر: فما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت أعهد والتراث العربي مليء بالحسرات والندم والخوف من الحياة التي هي ذهاب إلى الموت. روي أن داود عليه السلام دخل غاراً فوجد فيه رجلاً ميتاً. وعند رأسه لوح مكتوب عليه: أنا فلان بن فلان الملك عشت ألف عام وبنيت ألف مدينة وافتضضت ألف بكرٍ. وهزمت ألف جيشٍ ثم صار أمري إلى أن بعثت زنبيلاً من الدراهم في رغيف. فلم يوجد ثم بعثت زنبيلاً من الجواهر فلم يوجد, فدققت الجواهر واستفيتها فمت مكاني فمن أصبح وله رغيف, وهو يحسب أن على وجه الأرض أغنى منه أماته الله كإماتتي وذكر أن عبد الرحمن بن زياد لما وليّ خراسان جاز من الأموال ما قدر لنفسه أنه عاش مئة سنة ينفق في كل يوم ألف درهم على نفسه أنه يكفيه, فروى بعد مدة وقد احتاج إلى أن باع حلية مصحفة وأنفقها. وقال هيثم بن خالد الطويل: دخلت على صالح مولى منارة في يوم وهو جالس في قبة مغشاة بالسمور, وجميع قروشها سمور, وبين يديه كانون فضة ينجر فيه بالعود, ثم رأيته بعد ذلك في رأس الجسر يسأل الناس. ولما قتل عمر بن اسماعيل مروان بن محمد ( هو ابن الخليفة مروان بن الحكم), ونزل في داره وقعد على فرشه, دخلت عليه عبدة بنت مروان فقالت له: يا عامر إن دهراً أنزل مروان عن فرشه وأقعدك عليه لقد أبلغ في عظتك (انظروا مختصر الكلام المفيد)!! وقال مالك بن دينار: مررت بقصرٍ تضرب فيه الجواري بالدفوف ويقلن: ألا يادار لا يدخلك حزن ولا يغدر بصاحبك الزمان فنعم الدار تؤوي كل ضيفٍ إذا ما ضاق بالضيف المكان ثم مررت به بعد حين وهو خراب وبه عجوز فسألتها عما كنت قد رأيت وسمعت فقال: ياعبد الله إن الله يغير ولا يتغير والموت غالب كل مخلوق, وقد والله دخل بها الحزن وذهب بأهلها الزمان. وقال أبو العتاهية: لئن كنت في الدنيا بصيراً فإنما بلاغك منها مثل زاد المسافر إذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما فاته فليس بضائر وقال عبد الملك بن عمير: رأيت رأس الحسن رضي الله عنه بين يدي ابن زياد في قصر الكوفة, ثم رأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار, ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك, قال سفيان: فقلت له كم كان بين أول الرؤوس وآخرها قال: اثنتا عشرة سنة. قال الشاعر: إن للدهر صرعة فاحذرنّها ولا تبيتنَّ وقد أمنت الشرورا قد يبيت الفتى معافى فيردى ولقد كان آمناً مسروراً وكان محمد بن عبد الله بن طاهر في قصره على الدجلة ينظر فإذا هو بحشيش في وسط الماء وفي وسطه قصبة على رأسها رقعة فدعا بها فإذا فيها مكتوب شعراً وهو للشافعي رضي الله عنه: تاه الأعيرج واستعلى به البطر فقل له خير ما استعملته الحذر أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ولم تخف سوء مايأتي به القدر وسالمتك الليالي فاغتررت بها وعند صفو الليالي يحدث الكدر قال فما أنتفع بنفسه مدة ,وأعجب ما وجد في السير خبر القاهر أحد الخلفاء. وقلعه من الملك وخروجه إلى الجامع في بطانة جبة بغير طهارة ومد يده يسأل الناس بعد أن كان ملكه لأقطار الأرض....فتبارك الله يعز من يشاء ويذل من يشاء. وقيل كان محمد المهلبي قبل اتصاله بالسلطان في حال ضعيف فبينما هو في أحد أسفاره مع رفيق له من أصحاب الحرث والمحراث إلا أنه من أهل الأدب إذ أنشده يقول: ألا موت يباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه ألا رحم المهيمن نفس حر تصدق بالوفاة على أخيه قال فرثى له رفيقه وأحضر له بدرهم ما سد به رمقه وحفظ الأبيات وتفرقا, ثم ترقى المهلبي إلى الوزارة وأخنى الدهر على ذلك الرجل الذي كان رفيقه فتوصل إلى إيصال رقعةٍ إليه مكتوب عليها: ألا قل للوزير فدته نفسي مقالاً مذكراً ما قد نسيه أتذكر إذ تقول لضنك عيش ألا موت يباع فأشتريه فلماقرأ تذكر فأمر بسبعمئة درهم ووقع تحت رقعته: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة » سورة البقرة« ثم قلده عملاً يرتزق منه ودخل مسلمة بن زيد بن وهب على الخليفة عبد الملك بن مروان فقال: أي الزمان أدركته أفضل وأي الملوك أكمل? فقال أما الملوك فلم أر إلا حامداً وذاماً. وأما الزمان فيرفع أقواماً ويضع آخرين وكلهم يفكر أنه يبلي جديدهم, ويفرق عديدهم ويهرم صغيرهم ويهلك كبيرهم, قال حبيب بن أوس: لم أبك من زمن لم أرض خلته إلا بكيت عليه حين ينصرم وقال آخر: يا معرضاً عني بوجه مدبر ووجوه دنياه عليه مقبلة هل بعد حالك هذه من حالة أو غاية إلاانحطاط المنزلة وقال عبد الله بن عروة بن الزبير: ذهب الذين إذا رأوني مقبلاً بشّوا إلى ورحبوا بالمقبل وبقيت في خلفٍ كان حديثهم ولغ الكلاب تهارشن في المنزل وقال اسحاق بن ابراهيم الموصلي: وإني رأيت الدهر منذ صحبته محاسنه مقرونة ومعايبه إذا سرني في أول الأمر لم أزل على حذر من أن تذم عواقبه وكان يقال: إذا أدبر الأمر أتى الشر من حيث يأتي الخير وكان يقال: بتقلب الدهر تعرف جواهر الرجال وقال بعضهم نحن في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدباراً والشر إلا إقبالاً والشيطان في هلاك الناس إلا طمعاً اضرب بطرفك حيث شئت هل تنظر إلا فقيراً يكابد فقراً أو غنياً بدل نعمة الله كفراً , أو بخيلاً اتخذ بحق الله وفراً. أو مقرداً كأن بسمعه عن سماع المواعظ وقراً وقال آخر نحن في زمان إذا ذكرنا الموتى حييت القلوب. وإذا ما ذكرنا الأحياء ماتت القلوب ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: »لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه فيقول يا ليتني مكانه«. فماذا لو أعدنا النظر بما نقلت عن التراث كأن الحاضر هو ما كتب قال الشاعر: يقولون الزمان به فساد وهم فسدوا وما فسد الزمان.
|