فروسيا تعلم جيدا أن اعتلاءها خشبة المسرح الدولي لن يكون إلا إذا امتلكت القوة الرادعة واللازمة للحفاظ على هذا الموقع الذي تتصارع عليه قوى الغرب بشكل عام التي تدور بمجملها في فلك القوة والتفرد الأميركي رغما عن إرادتها.
من هذا المنطلق اجتهدت موسكو لوضع مسارات القوة على سككها الصحيحة و دفعها بالشكل الأمثل الذي يحقق لها وصولا سريعا للهدف المرتجى بما يواكب ويوازي مسارات السياسة التي تستمد حيويتها وحركتها وقدرتها على التأثير من مسارات القوة.
المسار العسكري بدأ بقرار صريح و واضح من الكريملين بتطوير السلاح الروسي ورفده بأحدث واقوى صنوف الأسلحة التي تضاهي وتردع السلاح الغربي عموما والأميركي على وجه الخصوص، ولعل المتابع لحركة السياسة العسكرية الروسية منذ نحو عقد من الزمن يدرك ذلك الإصرار الروسي الكبير على تحقيق قفزات نوعية في تطوير قوة الردع الروسية في ظل تسارع الاحداث الدولية والإقليمية التي كانت تشكل من جهة ضغطا وتهديداعلى الامن الروسي، والتي كانت تشكل من جهة أخرى تحديا لروسيا بوتين وحافزا ودافعا إضافيا لها لاستكمال طريقها الذي بدأته ـ القرار الروسي بزيادة وتحديث الترسانة العسكرية اتخذ إثر الاحداث الجورجية في العام 2008 -.
ونشير في هذا السياق الى ما كشفته وكالة «سبوتنيك» الروسية في الثالث من الشهر الحالي حيث قالت: إن 2016 سيكون عام الجيش الروسي لأنه سيكتسب فيه قدرة عالية في جميع جوانب الدفاع، مشيرة الى انه يوجد في روسيا نحو 26 مؤسسة تعليمية عسكرية عليا، يتخرج منها الآلاف سنوياً، هذا بالتزامن مع استعدادات الجيش الروسي لإحداث مفاجآت كبيرة خلال هذا العام، حيث من المتوقع أن تضع وزارة الدفاع الروسية خمسة أفواج صواريخ مجهزة بأنظمة حديثة، وان تُدخل أسلحة جديدة مكونة من مجمع الصواريخ «إسكندر-إم» واثنين من صواريخ «تورنادو- إس»، إلى مجموعة من أنظمة مضادة للصواريخ من طراز «بوك- إم ثري».
كما سيتم تسليح القوات الجوية الروسية بأكثر من 200 نموذج جديد ومطور من الطائرات، بالإضافة إلى وجود صواريخ الدفاع الجوي «إس- 400» ، ناهيك عن دبابات «أرماتا» والصواريخ الباليستية العابرة للقارات «يارس»، ومقاتلة الجيل الخامس باك فا «تي- 50» دون ان ننسى أن الأسطول الروسي في البحر الأسود تسلم 15 سفينة حديثة حربية.
هذا بالإضافة بحسب وزارة الدفاع الروسية إلى إخضاع حوالي 160 نموذجاً جديداً للأسلحة والمعدات العسكرية للاختبارات خلال الأشهر القليلة القادمة، وهذا يعزى إلى سببين رئيسيين، أولهما إتمام تنفيذ خطة الدولة الروسية بإعادة تسليح قواتها المسلحة حتى عام 2020، وثانيهما الانتهاء من إنجاز مشروع تحديث مجمع الميدان نفسه من الناحيتين التقنية والتكنولوجية وذلك من خلال تطبيق الأنظمة الأوتوماتيكية المختلفة بالدرجة الأولى هناك، ناهيك عما كشفه نائب وزير الدفاع الروسي ديميتري بولغاكوف عندما قال: إن وزارة الدفاع الروسية ستبني وتجهز بحلول نهاية العام الجاري حوالي 440 منشأة عسكرية في منطقة القطب الشمالي.
إن قرار تطوير وتحديث القدرات العسكرية الروسية هو قرار ثابت ومعلن للجميع وهو يسير وفق خطى متسارعة و رؤى حقيقية تستند الى استراتيجية واضحة ومعلنة استشرفت الخطر المحدق من حولها بعد استعار الوحش الأميركي نتيجة إخفاقاته وهزائمه المتكررة في المنطقة، وخاصة في سورية التي شكلت من جهة محرقة لكل الذين لايزالون يتوهمون بالسيطرة عليها بعد افشالها واضعافها، والتي شكلت من جهة أخرى مختبرا حقيقيا للدولة الروسية لإثبات قدراتها ودافعا لها بالتوازي للصعود بقوة إلى المسرح الدولي.