تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لم تنتهِ بعد حرب الخمسة والعشرين عاماً

متابعات سياسية
الجمعة22-1-2016
ترجمة: دلال ابراهيم

لم تنته بعد عملية عاصفة الصحراء التي بدأتها واشنطن بعيد انهيار جدار برلين , أي قبل 25 عاماً بالتمام والكمال . وقد أشارت تلك العملية لنهاية عالم أحادي القطب , عالم الحرب الباردة وبداية عصر تهيمن فيه الولايات المتحدة على العالم , عصر لم ينته سوى في تاريخ 30 أيلول عام 2015 مع عودة الجيش الروسي للميدان الدولي (عملية مكافحة الإرهاب في سورية). هذا وقد استبقت الحروب الأميركية حرباً أخرى غذتها الولايات المتحدة ونفذها العراقيون بمفردهم ضد الثورة الإيرانية . ويبدو أن الهيمنة الأميركية وبعد مرور خمسة وعشرين عاماً على  صراع مستمر ترمي في الدرجة الأولى إلى عرقلة تطور شعوب منطقة الشرق الأوسط , ومن أجل تلك الغاية تسعى لتدمير تلك الدول بشكل منهجي .

وعلى هذا الأساس بسط النظام الأميركي سلطته على العالم أجمع : ففي الحادي عشر من شهر آذار عام 2006 تم قتل الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوزوفيتش في مركز اعتقال تابع للأمم المتحدة في تشيفينيينغن في هولندا , وفي أعقاب محاكمة ساخرة تم إعدام صدام حسين شنقاً في 30 أيلول من نفس العام , في حين قتل معمر القذافي في تشرين الأول عام 2011 .‏

قبل خمسة وعشرين عاماً من الآن وفي الساعات الأولى من يوم 17 كانون الثاني انطلقت في منطقة الخليج عملية « عاصفة الصحراء » , الحرب ضد العراق التي أسست لحقبة تاريخية لا زلنا نعيش فصولها . وتزامنت تلك الحرب التي بدأ ت في أعقاب انهيار جدار برلين مع تفكك حلف وارسو وكذلك تفكك الاتحاد السوفييتي . الأمر الذي أدى إلى خلق وضع جيوسياسي جديد كلياً في منطقة أوروبا ووسط آسيا . وعلى الصعيد العالمي , اختفت القوى العظمى القادرة على مواجهة عظمة الولايات المتحدة .‏

ويقول وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول عن تلك الفترة «لقد أمسك الرئيس بوش ( الأب ) بهذا التغيير التاريخي » ورُسمت على الفور استراتيجية جديدة في الأمن القومي ومعها استراتيجية عسكرية غايتها دعم هذه الاستراتيجية  . وجاء الهجوم العراقي على الكويت , الذي أمر فيه صدام حسين في آب من عام 1990 الفرصة المناسبة لكي تضع الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية الجديدة بالضبط موضع التنفيذ في اللحظة التي بدأت تتكشف خيوطها على العلن .‏

والرئيس صدام حسين الذي تحول إلى « العدو الأول » هو نفسه الذي دعمته الولايات المتحدة في حرب الأربعة والعشرين عاماً ضد دولة إيران في عهد الخميني , أي أصبح العدو الأول بالنسبة للمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط . في حين عندما انتهى من حربه ضد إيران في عام 1988 , خشيت الولايات المتحدة أن يلعب العراق دوراً مهماً في المنطقة بفضل المساعدات السوفييتية . وبالتالي فقد لجأت إلى سياستها التقليدية القائمة على أساس «فرق تسد». حيث تغير الموقف الكويتي في ظل هيمنة واشنطن  , والتي طالبت باسترداد الديون المستحقة على العراق فوراً , وطالبت بحقها في استثمار حقل الرميلة الذي يمتد على أراضي الدولتين وحصص إنتاجه من النفط أقرته منظمة اوبك . الأمر الذي يحمل الضرر للعراق الخارج للتو من حرب كلفته  تحمل ديون خارجية فاقت 70 مليار دولار , 40 منهم مستحقة للكويت وللسعودية . وعند تلك النقطة فكر صدام حسين في الخروج من المأزق من خلال « إعادة ضم» الأراضي الكويتية والتي على أساس الحدود التي رسمها الوالي البريطاني السير بيرسي كوكس في عام 1922 سد أمام العراق أي منفذ له على الخليج. وأوحت واشنطن لبغداد أنها ستكون بعيدة عن أي نزاع . وفي 25 تموز عام 1990 وفي حين كانت الأقمار الصناعية للبنتاغون تشير إلى أن الغزو العراقي للكويت صار وشيكاً , أكدت السفيرة الأميركية  ابريل غلاسبي في بغداد للرئيس صدام حسين أن بلادها تريد الاحتفاظ بأفضل علاقات  مع العراق ولا تنوي التدخل في الصراعات بين الدول العربية . وسقط صدام حسين في فخ نصبوه له . حيث وبعد أسبوع واحد غزت القوات العراقية الكويت في الأول  من شهر آب من نفس العام .‏

وفي أعقاب هذا الغزو شكلت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً وأرسلت إلى منطقة الخليج قوات تتألف من 750 ألف جندي , 70% منهم أميركيين بقيادة الجنرال شوارزكوف . وعلى مدار 43 يوماً نفذ الطيران الأميركي والقوات الحليفة البالغ تعداده 2800 طائرة  110000 طلعة جوية وقذف 250000 قنبلة , ومن تلك القنابل هناك القنابل الانشطارية التي تتجزأ إلى عشرة ملايين قذيفة . وشاركت في القصف القوات الجوية والبحرية البريطانية والفرنسية والإيطالية واليونانية والاسبانية والبرتغالية والبلجيكية والدنماركية والنرويجية والكندية . وفي 23 شباط شنت قوات التحالف التي تضم نصف مليون جندي الهجوم البري . والذي انتهى في 28 شباط من خلال « وقف إطلاق نار مؤقت » أعلنه الرئيس بوش الأب . وبعد الحرب خضعت العراق لحصار سبب ضحايا في صفوف الشعب العراقي أكثر مما سببته الحرب . حيث راح ضحيته أكثر من مليون ضحية , نصفهم من الأطفال .‏

وعلى الفور , وفي أعقاب حرب الخليج أرسلت واشنطن للعدو وللصديق على حد سواء رسالة واضحة :« ستبقى الولايات المتحدة الدولة الوحيدة ذات قوة ونطاق ونفوذ على كافة الصعد العالمية , السياسية والاقتصادية والعسكرية» . وليس هناك بديل عن الزعامة الأميركية ( استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة آب 1991 ) .‏

لقد كانت حرب الخليج الحرب الأولى التي شاركت فيها إيطاليا تحت القيادة الأميركية في انتهاك للمادة 11 من الدستور . في حين وضع حلف شمال الأطلسي الناتو , الذي لم يشارك في تلك الحرب رسمياً بصفته حلف كل قواته وهياكله على أهبة الاستعداد للعمليات العسكرية . وبعد مرور عدة أشهر , أي في تشرين الثاني من عام 1991 أطلق المجلس الأطلسي في أعقاب إطلاق الاستراتيجية الأميركية الجديدة « المفهوم الاستراتيجية الجديد للحلف » . وفي نفس العام صدر في إيطاليا « النموذج  الدفاعي الجديد « والذي ينص في تناقض صارخ مع الدستور أن مهمة القوى العسكرية تكون حيث تقضي المصالح الوطنية . وعلى هذا النحو نشأت  مع حرب الخليج الاستراتيجية التي قادت لحروب متتالية بقيادة الولايات المتحدة , المغلفة تحت مسمى « عمليات إنسانية  لحفظ السلام» شهدنا حرب يوغسلافيا عام 1999 وأفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 وليبيا عام 2011 وسورية عام 2013 . وترافق مع تلك الحروب  وضمن نفس الإطار الاستراتيجي الحروب الإسرائيلية ضد لبنان وغزة وحروب تركيا ضد الأكراد وحرب السعودية ضد اليمن , وتشكل تنظيم داعش ومجموعات إرهابية أخرى الموظفة ضمن استراتيجية الولايات المتحدة والناتو , واستخدام قوى النازية الجديدة في الانقلاب الذي شهدته أوكرانيا لتوظيفه في حرب باردة جديدة ضد روسيا .كانت بمثابة نبوءة بالمعنى المأساوي الكلمات التي قالها بوش في شهر آب من عام 1991 « سيسجل التاريخ أن أزمة الخليج كانت بوتقة النظام العالمي الجديد .»‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية