تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مــن حكايـــات «الجينــــز»

استراحة
الجمعة22-1-2016
البداية عند رجل واحد 

للبدء بالقصة حسبنا أن نذكر اسم ليفي شتراوس، الذي لاتزال تحمله حتى اليوم، وربما زمناً طويلاً مقبلاً، أشهر السراويل، وغير السراويل، الجينز. هذا الرجل،‏

دخل اسمه عالم الخلود بفضل نوع من القماش، وعقل تجاري واعٍ، فكان هو «المكتشف» الأول لسروال الجينز، ولن نقول المخترع الأول،‏

لأن سر مكانة هذا السروال في قماشه. وكان قماشه مجرد بضاعة آتية من إيطاليا: أقمشة مجهزة لتتحول إلى خيام، لا سراويل. وفي ذلك التحول سرّ ليفي شتراوس وقيمة ما فعل.‏

فمن هو ليفي شتراوس هذا؟ من هو الرجل الذي حفزه حسّه التجاري ذات يوم من العام 1850م.، ليبتكر سروالاً، باعت شركته منه في قرن ونصف القرن، حتى اليوم، أكثر من مليار قطعة، إذا لم نذكر سوى السراويل؟‏

مثل الجميع في أمريكا (عدا الهنود الحمر)، أتى ليفي شتراوس من الخارج. من بافاريا في ألمانيا، حيث ولد العام 1829م. وحين بلغ الرابعة عشرة، هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة، بحثاً عن وضع أفضل. وأقامت أسرة شتراوس في مدينة لويزفيل بولاية كنتاكي بعض الوقت، ثم نزحت بعدئذٍ إلى نيويورك. وهناك، مثل ألوف غيرهم من أبناء الطبقة المتوسطة والدنيا، عاش ذوو ليفي شتراوس من تجارة القماش، عيشاً متواضعاً للغاية. كانت تلك سنوات الرواد، وكان في وسع كل ذي عقل مبتكر ونشاط يومي أن يكسب عيشاً وثروة إن عرف كيف يشتغل. وسرعان ما أحرز آل شتراوس نجاحاً متواضعاً بفضل قماش كانت تستورده من ألمانيا وإيطاليا وتبيعه في حاضرة العالم الجديد، ولا سيما في الحي الألماني. غير أن ذلك الحيز الجغرافي لم يكن من شأنه أن يرضي الشاب ليفي، الذي كان تجاوز العشرين. ففي اجتماع عائلي لدرس سبل إحراز مزيد من النجاح والغنى، تحدث المجتمعون عما يحدث في المركز الثاني في أمريكا: كاليفورنيا، حيث كان الباحثون عن الذهب يتجهون ألوفاً خلف ألوف لينشؤوا مجتمعاً جديداً ويكسبوا ثروات جديدة. وإزاء استعراض الوضع قال ليفي لأخويه الأكبرين جوناس ولويس: «أعطوني القماش وسأذهب إلى كاليفورنيا».‏

طلب عمال المناجم‏

كانت تلك هي البداية الحقيقية. فبعد أسابيع قليلة، كان ليفي ينزل من باخرة ركاب في مرفأ سان فرانسيسكو، بصحبة مئات الباحثين عن الذهب. أما هو فكان محملاً بالأقمشة، أو ما كان بقي له منها، ذلك أن صاحبنا، بذكائه الموروث من أسرته، باع وهو بعد على ظهر الباخرة، معظم ما كان لديه من قماش صوف وقطن. أما ما بقي لديه فلفائف قماش سميك أزرق اللون، مصنوع في الأصل لصنع الخيام. وكان القماش مستورداً من مدينة جنوى (جينز في اللفظ الإنجليزي آنذاك). وسار صاحبنا ليفي، وهو يحمل لفائف القماش الباقية لديه ضمن قافلة باحثين عن الذهب، واتجه إلى مناطق الداخل، دون أن يدرك آنذاك أنه بدوره، اكتشف «الذهب» من غير أن يتجشم عناء دخول أي منجم. كان همّه أن يغري أي تاجر بشراء ما لديه من قماش، لكي يطلب بعدئذٍ من أخويه أن يرسلا إليه حمولة جديدة.‏

وصل ليفي إلى مدينة سكرامنتو، حيث التقى جماعة من عمال المناجم. وسألهم من فوره: «هل يهمكم شراء قماش لصنع الخيام؟» كان الجواب حاسماً: «لا.. بل يهمنا الحصول على قماش متين نصنع منها سراويل قوية، لا تهترئ في أيام قليلة من العمل والزحف الشاقين في التراب وبين الصخور. سراويل يمكن لنسائنا أن يغسلنها دون أن تتمزق فوراً. ولا تكلفنا مالاً كثيراً». ما إن سمع ليفي هذا حتى أضاءت الفكرة في رأسه: هذا القماش الآتي من جنوى سيتحول إلى سراويل.‏

هنا ظهر اسم شخص تجاهله التاريخ تجاهلاً شبه تام، إنه اسم الخياط جاكوب دبليو ديفيس، الذي كان أول خياط في التاريخ يخيط «بلو جينز». كان الأول لكن ذلك لم يفده كثيراً، عكس ما كان من نصيب ليفي شتراوس. فمنذ أن بدأ ديفيس يخيط أول سروال من هذا النوع وحتى يومنا هذا، أُهمل اسمه ولم يَبْقَ سوى اسم «ليفي شتراوس».‏

طبعاً، في ذلك الحين كان ليفي يعرف أنه أحرز نجاحاً… وسيحرز مزيداً، لكنه لم يكن في وسعه أبداً أن يتصور مداه. كل ما في الأمر أنه، في ذلك الحين، راح يجول في مدن «الغرب» وقراه ، يسجل الطلب، مئات وألوفاً، ليصنع سراويله في محترفه الصغير الذي أنشأه في سان فرانسيسكو. وبعد حين، عجزت جنوى الإيطالية عن تلبية كل طلب صاحبنا من قماش، ومعها مدينة نيم الفرنسية، من شدة الإقبال على ملابسه.‏

لغز الجيب الصغير.. وابتكار الجيبين الأماميين‏

فوق الجيب الأيمن من كل سروال جينز يوجد جيب صغير، غير مستخدم عملياً لأي شيء. ولكنه هناك «لزوم ما لا يلزم».‏

وفي البحث عن أصل هذا الجيب تبيَّن أنه كان في ثمانينيات القرن التاسع عشر أكبر بقليل مما هو عليه اليوم، وأن ليفي شتراوس إضافه إلى التصميم لأن رعاة البقر كانوا يربطون الساعات التي يحملونها بسلاسل إلى سراويلهم ويخبئون الساعة تحت الحزام، فكان هذا الجيب الصغير لوضع الساعة فيه أولاً. ثم صار يُستعمل لوضع شذرات الذهب الصغيرة التي يعثر عليها الباحثون عن الذهب في كاليفورنيا. كما يُروى أن البعض كان يستخدم الجيب الصغير لحمل النقود الذهبية وفصلها عن الفضية الكبيرة والأشياء الأخرى التي كانت تُحمل في الجيب الكبير.‏

ولأن السراويل التقليدية في القرن التاسع عشر، كانت إما من دون جيوب، أو ذات جيب أو جيبين جانبيين، ابتكر ليفي شتراوس الجيبين الأماميين لحمل أشياء، قد تكون مهددة بالسقوط من الجيب الجانبي، خاصة عند ركوب الخيل. أما الجيبان الخلفيان، فواحد منهما كان للمنديل، والآخر للاستعمال الحر.‏

واليوم، لا يزال الجينز التقليدي بجيوبه التقليدية الخمسة. غير أن الاستعمالات تبدلت. فمن الجيوب الخلفية يستعمل الكثيرون واحدة فقط لحمل المحفظة، والجيبان الأماميان للنقود والمفاتيح (يضيف البعض إلى ذلك التلفون). أما الجيب الصغير فيبقى مجرد تذكار من القرن التاسع عشررة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية