وفق ما أعلنه يوم الاثنين الماضي رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو إثر القمة الطارئة للاتحاد الأوروبي حول جورجيا.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي أكد في المؤتمر الصحافي الذي عقده إننا نرجئ كل اجتماعاتنا حول اتفاق الشراكة الاستراتيجية , واعتبر ساركوزي أن( هذه الأزمة تعني أن علينا إعادة النظر في علاقاتنا مع روسيا).
وفيما كانت جورجيا ومعها دول أوروبا الشرقية, ولاسيما بولندا, تطالب بفرض عقوبات على روسيا, فإن القمة الأوروبية اختارت اتباع نهج التهدئة مع روسيا, والذي بات واضحاً أنه لن يخرج عن اتفاق )النقاط الست الذي أنجزه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في 12 آب الماضي عقب زيارته لموسكو وتبليسي, بهدف تحقيق وقف إطلاق نار بين الطرفين المتحاربين روسيا وجورجيا.
لقد أظهرت هذه الحرب الخاطفة في القوقاز التي دارت بين روسيا وجورجيا, عجز أوروبا ليس في مواجهة روسيا التي تصر على إعادة القوقاز إلى دائرة نفوذها فحسب, بل أيضاً في تنسيق الإجراءات والضغوطات الدبلوماسية بين العواصم الأوروبية ذاتها, فهناك تباينات في المواقف بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
فبينما يصر الرئيس ساركوزي على عدم إثارة العقوبات, أو تعليق العقوبات مع روسيا, وإنما حثها على تطبيق برنامج )النقاط الست( واستنكار اعترافها باستقلال جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الانفصاليتين, تصر بولندا وتشيكيا وبلدان البلطيق التي تؤازرهم بريطانيا على فرض العقوبات.
وتعتبر تبعية بعض البلدان الأوروبية للطاقة القادمة من روسيا عاملاً مؤثراً حيث يقول دبلوماسي أوروبي في باريس: يجب استباق لعبة الشطرنج هذه التي يتفوق فيها الروس علينا مضيفاً قائلاً في حال تم فرض العقوبات: وإذا قطع الروس علينا الغاز ماذا نفعل? سنركض إلى موسكو راكعين نطالبهم بإعادة فتح أنابيب الغاز? وسيجيبوننا: ارفعوا العقوبات أولاً .
مع الاستهلاك التدريجي لمخزون بحر الشمال, ازدادت بلدان الاتحاد الأوروبي ال27 اعتماداً على الغاز الطبيعي القادم من الخارج, ووقعت عقوداً طويلة المدى ( من 20 إلى 25 سنة ) مع كل من روسيا (40%), والجزائر (30%), والنرويج (25%) وقطر.
وتتضمن هذه العقود بنداً يُلزم المستورد الأوروبي بدفع ثمن الغاز حتى لو لم يحصل عليه فعلياً.
إنها الضمانة, بالنسبة لشركة غاز بروم الروسية أو سوناتراك الجزائرية, بأن استثماراتها الضخمة في إنتاج الغاز ونقله لم تذهب سدى, وأن بإمكانهما تسديد الديون التي رزحت تحتها لهذا الغرض, حسب قول جان بيار سيريني, في مقالته: معركة الغاز في أوروبا, (لوموند ديبلوماتيك آذار 2007).
ويمكن القول إن حرب القوقاز الأخيرة, أنهت حقبة روسيا الضعيفة منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي, لتأكيد عودتها كقوة رئيسة, على الأقل في الامتداد الجغرافي الأوروبي - الآسيوي.
ويجمع المحللون الغربيون أن قمة بروكسل الأخيرة, أظهرت من جديد عدم تبلور سياسة خارجية موحدة للاتحاد الأوروبي, وعدم تجانس في الموقف من أزمة القوقاز, وفوق هذا وذاك, بينت القمة عجز أوروبا الصريح في التعاطي مع تطورات الحرب, لكي تفسح من جديد للولايات المتحدة الأميركية أن تكون اللاعب الرئيس على المسرح الأوروبي.
وكانت إعادة النظر في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا واحدة من الأهداف الرئيسة للدبلوماسية الأوروبية منذ سنوات عديدة.
فاتفاق الشراكة الذي دخل حيز التنفيذ في عام 1997, انتهت مدته في سنة 2007, حتى وإن كان ضمنياً لايزال معمولاً به حتى يتم توقيع اتفاق شراكة جديد. وهذا الاتفاق لم يتم التوقيع عليه بعد. وتأخرت المفاوضات بشأنه كثيراً.
ومنذ سنة 2006, كانت بولندا تستخدم الفيتو ضد إطلاق مثل هذه المفاوضات, احتجاجاً على الحظر الذي فرضته روسيا على صادراتها من اللحوم. وكان رفع هذا الحظر قد رفع الحصار عن مسار القمة الأوروبية - الروسية التي ستعقد في الرابع من شهر تشرين الأول المقبل في مدينة نيس الفرنسية. بيد أن التدخل العسكري لروسيا في جورجيا عقد الأمور من جديد.
الواقع الجديد, أن روسيا استعادت قوتها, وتريد أن تلعب دوراً محورياً في السياسة الدولية.
وكانت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا شهدت خلال السنوات القليلة الماضية توترات حقيقية, من جراء التوسع المضاعف للاتحاد الأوروبي وللحلف الأطلسي, اللذين أصبحا يطوقان ويحاصران روسيا باستقبالهما عشر دول جديدة, كانت في السابق جزءاً من المنظومة السوفييتية.
إضافة إلى ذلك, هناك المعركة السياسية حول الطاقة, واستقلال كوسوفو مع مطلع هذه السنة, الذي حاربته موسكو, وشكل خطوة جديدة في تدهور العلاقات وزيادة الريبة.
الاتحاد الأوروبي مطالب اليوم بإعادة تحديد العلاقة مع موسكو, من خلال الإجابة عن السؤال الجوهري التالي: )هل روسيا شريك أم تهديد(?
لقد أظهرت أزمة القوقاز مدى الانقسام الذي يعاني منه الاتحاد الأوروبي. ولم يعد الانقسام مقتصراً على )أوروبا الجديدة( مقابل )أوروبا القديمة( كما ظهر ذلك في الأزمة العراقية سنة 2003, بما أن بريطانيا والسويد تنتميان إلى فريق المتشددين في التعاطي مع روسيا. ومادامت البلدان الأوروبية لم تتمكن من حل خلافاتها, فإنها ستظل عاجزة عن بلورة سياسة مشتركة تجاه روسيا.
* كاتب تونسي