لكن مبادرته تلك لم تعط أكلها لأن إدارة أوباما لم تشرك أطراف النزاع الأخرى مع إسرائيل في عملية السلام واقتصر أمرها على حث رئيس السلطة الفلسطينية على إجراء المحادثات المباشرة مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو دون أن يكون له من دور سلبي أو إيجابي إن نشبت أعمال عسكرية مع أحد الأطراف على غرار ما حدث في السنة الماضية إبان الحرب على غزة.
يؤكد الواقع بأن ثمة تحالفاً قائماً لمجابهة إسرائيل يضم كلاً من حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، وسورية، وإيران. لكن ما يثير الاستغراب أن نرى إدارة أوباما تتبع ذات الخطى السياسية التي سارت عليها إدارة بوش، والتي تهدف إلى العزل الدبلوماسي للجهات المشكلة لمحور المقاومة. وقد سبق لها أن حاولت تقديم بعض الإغراءات لدمشق لعلها تتمكن من إبعادها عن إيران لكن مساعيها لم تفلح لأنه في ظل غياب التحرك الجدي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية في مرتفعات الجولان فإن كل ما تقدمه من عروض لن يجدي نفعاً. كما لجأت إلى إطلاق بعض الاقتراحات بشأن التعاطي مع القضية النووية الإيرانية، وعمدت إلى القول إن ما تقوم به إيران يمثل تحدياً لها، واستمرت في دعوتها لعزلها دون أن تأخذ باعتبارها بأن عدم وجود قنوات اتصال مع الجهات التي تعتبرها معادية لها قد يفضي إلى حرب تنطلق من شمال فلسطين أو من غزة. وإن الهدوء المشوب بالحذر لن يبقى مستمرا إن لم يتم عقد اتفاقات لمعالجة المعضلات القائمة، وإن بقي الهدوء مستمرا فذلك لأن الجميع يعلم بالأضرار التي يمكن أن يلحقها كل طرف بالآخر سواء من الناحية السياسية أم المادية أم الاثنتين معاً. وفي مختلف الأحوال، فإن جميع الخصوم على قناعة تامة بحتمية قيام حرب في المنطقة.
لا شك بأن ما قامت به إدارة بوش من مقاطعة دبلوماسية لمحور المقاومة قد فشلت في القضاء على نفوذ هذا المحور، بل إنه زاد في توثيق التحالفات القائمة بين مكوناته، وأغلقت قنوات الاتصال بين واشنطن وحلفائها الغربيين من جهة وصناع القرار الرئيسيين من جهة أخرى. لكن ذلك لم يقلق إدارة بوش لأنها كانت تتوقع حدوث حرب بين المعتدلين ومن أسمتهم «بالراديكاليين»(أي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما من العرب المعتدلين وإيران وحلفائها) ولأن واشنطن لم تضع استقرار المنطقة في سلم أولوياتها، بل إن الأوروبيين عندما مارسوا الضغوط على واشنطن لتقديم المساعدة والتدخل لوقف الحرب الإسرائيلية الكارثية عام 2006 على حزب الله في لبنان أجابتهم وزيرة الخارجية كونداليزا رايس إنه «ليس من مصلحة الولايات المتحدة عودة الوضع في المنطقة إلى سابق عهده» لكن الواقع قد أكد لنا بأن جميع الخطط التي وضعتها الولايات المتحدة وإسرائيل الرامية إلى القضاء على «الراديكاليين» قد لحق بها الفشل الذريع.
تعتبر تركيا حليفاً هاماً للولايات المتحدة لذلك اعتمدت عليها في المنطقة لمدّ جسور الثقة مع معسكر المقاومة. لكن تركيا رأت بأن الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يحصل دون تحقيق مصالح دولها، وإقامة علاقات ودية مع إيران، الأمر الذي أثار حفيظة الدول الغربية وإسرائيل. ومع ذلك قام رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون بزيارة إلى أنقرة بعد إجراء المحادثات في واشنطن وأجرى مباحثات مع القيادة التركية أشار بها إلى اعتبار غزة بمثابة «معسكر اعتقال» وهي ذات العبارة التي قالها رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان في وقت سابق. وكان في قوله هذا محاولة منه لقبول تركيا التوسط في حل نزاعات المنطقة، والاعتماد على مساعيها الحميدة في حالة نشوب حرب مع إسرائيل. وبذلك أصبحت تركيا تمثل قناة الاتصال الرئيسة لتجنب قيام حروب في المنطقة.
بتقديرنا نرى أن المساعي الحثيثة التي يقوم بها أوباما لتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين من حيث إجراء محادثات مباشرة بين رئيسي الحكومتين لن تحقق الاستقرار في المنطقة، ذلك لأنه قد سبق في المرحلة الأخيرة من ولاية بوش أن سعت إدارته إلى العودة لمحادثات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية واعتبرتها بمثابة غطاء سياسي للأنظمة العربية يمكنها من التحالف مع إسرائيل والولايات المتحدة ضد طهران، وكان ذلك هو السبب الحقيقي وراء الدعوة لمؤتمر أنابوليس، وما أعقبه من مفاوضات بين عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك. لكن الواقع أثبت عدم جدوى ذلك المؤتمر لأنه حتى لو تمكن أولمرت وعباس من التوصل إلى موافقة على حدود الدولة الفلسطينية فلن يتسنى تنفيذ هذا الأمر، لأن حماس التي فازت في الانتخابات سترفض مثل هذا الاتفاق ما يجعله محكوما بالفشل.
يبدو أن إدارة أوباما قد نهجت ذات السياسات التي اتبعها بوش، حيث اقتصرت في تعاطيها الدبلوماسي على الأصدقاء دون الخصوم، إذ نجد الحوار يعود مجددا في البيت الأبيض حول ممارسة الضغوط بهدف تحقيق تقدم في العملية السلمية واعتبارها المفتاح الرئيس لنجاح الجهود في عزل إيران، على الرغم من أنه ليس ثمة سبب واضح يعطينا مؤشراً عن نجاح اوباما في تحقيق ما فشل به بوش.
في يوم الجمعة الأسبق، نشرت جامعة ميريلاند استطلاعاً للرأي أجرته في ست دول، وكانت نتائجه مزعجة للبيت الأبيض، لأنها اشتملت على إجابات سلبية حيال الرئيس باراك أوباما، ولأنها دلت على أن 77% ممن استطلعت آراؤهم يعتقدون بحق إيران بإتمام برنامجها النووي، و57% يرون بأن التسليح النووي سينعكس إيجاباً على منطقة الشرق الأوسط.
لا ريب بأن ثمة تبايناً كبيراً بين ما يصبو إليه الشعب العربي والنهج الذي يتبعه باراك اوباما في معالجته لقضايا المنطقة. وإننا نرى إن كانت الإدارة الأمريكية تسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة تحسباً من نشوب حرب تطيح باستقرارها فقد آن لها أن تأخذ باعتبارها الحكمة التي قالها اسحاق رابين عندما سئل عن الأسباب التي تدعوه للتعامل مع أعداء إسرائيل (أي ياسر عرفات) فأجاب: إن السلام يصنع مع الأعداء وليس مع الأصدقاء».