تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أدبـــاء ركلـــــوا كــــــرة القــــدم.. إلــــــى مربــــــع أوراقهــــــم..

ثقافة
الخميس 26-6-2014
لميس علي

حين سُئل: أيهما تفضّل كرة القدم أم المسرح.. أجاب ألبير كامو: كرة القدم ودون تردد.

كامو، أحد أهم أخلاقيي العصر، كما وصفه سارتر، كان ذكر غير مرة: «كل ما أعرفه عن الأخلاق وواجبات الإنسان أدين به لكرة القدم».‏‏

في كتابه (كرة القدم في الشمس والظل) يقدّم الروائي إدواردو غاليانو حقيقةً أخرى عن كامو الذي بقي حارس مرمى لمدة عامين (1928_ 1930).. توقف عن ممارسة لعبته المحببة بسبب مرض السل الذي أصابه وهو بعمر السابعة عشرة.‏‏

يقول غاليانو: «في عام 1930، كان كامو هو القديس بطرس الذي يحرس بوابة مرمى فريق كرة القدم بجامعة الجزائر. كان قد اعتاد اللعب كحارس مرمى منذ طفولته، لأنه المكان الذي يكون فيه استهلاك الحذاء أقل. فكامو ابن الأسرة الفقيرة لم يكن قادراً على ممارسة ترف الركض في الملعب، وكل ليلة كانت جدته تتفحص نعل حذائه وتضربه إذا ما وجدته متآكلاً».‏‏

ومن مشاهير الأدباء ممن مارس حراسة المرمى الروائي الروسي الأمريكي فلاديمير نابوكوف.‏‏

بعضهم اكتفى بعلاقة الحب عن بعد كما الشاعر محمود درويش.. بحسب الروائي المغربي عبد الكريم الجويطي فإن درويش كان من الممكن أن يؤجل أي شيء قبالة مشاهدة مباراة كبيرة.‏‏

ملاعبة تلك الساحرة المستديرة كان حلماً داعب طفولة وشباب الكثير من الأدباء.. ويبدو أنه حلم انتقلوا في ممارسته من المستطيل الأخضر إلى مستطيل الورق الأبيض.. الذي ملؤوه.. بما جادت به براعتهم الأدبية. يبرز هنا أيضاً كامو الذي كانت كرة القدم أحد أهم الموضوعات التي طرحها في نتاجاته.. والألماني بيتر هاندكه في كتابه (خوف حارس المرمى أثناء ضربة الجزاء).. أيضاً كتب الإيطالي أمبرتو إيكو سلسلة من المقالات يدرس فيها كرة القدم سيميائياً، صدرت أثناء كأس العالم في إيطاليا عام 1990..‏‏

بعضهم كان مارس كرة القدم شاباً فكتب عنها بثقة خبرته العملية، يمكن أن ندرج في هذا المقام الروائي نجيب محفوظ، كان مشهوراً بحبه الكبير لهذه اللعبة ويذكر أنه خصّها بمقال بعدما كان مارسها لاعباً أيام الشباب.‏‏

أما غاليانو فيعترف بكتابه «كرة القدم في الشمس والظل»: (كنت لاعباً أخرق ووصمة عار على الملاعب) وذلك حين كان لاعب كرة قدم في الأورغواي..‏‏

هل كان توجّهه للكتابة ومحاولة النجاح، عبر قلمه، تعويضاً عن فشله على الأرضية الخضراء.. فاستمر يملأ تلك المساحات البيضاء.. هل هذا ما فعله الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز هو الآخر حين حُرم من لعب كرة القدم، حلم طفولةٍ مارسه في شوارع مدينته أراكاتاكا.. ؟‏‏

أُقصِيَ (غابو) لأن إحدى الإصابات منعته عن إكمال حلمه حين سدد أحد الخصوم في هجومه، ضربةً إلى بطن ماكيز سببت له أذى في معدته.. ليتحوّل وهو بعمر الثالثة والعشرين إلى مجرد مشجع لفريقه المفضل أتلتيكو جونيور.‏‏

الممارسة العملية للعبة غالباً ما تساعدهم بفهم دواخل اللاعب.. وتمكّنهم من وصف صراعاته النفسية.. إذ من أين كان سيتأتّى لكاتب مثل غاليانو وصف وضع حارس المرمى الذي يشاهد المباراة «وينتظر وحيداً إعدامه بالرصاص بين العوارض الثلاث».. وهو بذلك يعالج حالة إنسانية حين يترك اللعبة في مستواها الظاهري ليدخل إلى سايكولوجية حارس المرمى.. ألا يدعّم عنوان كتاب هاندكه « خوف حارس المرمى أثناء ضربة الجزاء» هذا التوجّه.. ؟‏‏

ويبقى السؤال ما وجه الشبه ونقطة اللقاء بين الأدب وكرة القدم لعبة الفقراء..؟‏‏

بحسب البعض فهي أقرب لعبة للأدب.. فكلاهما يحرّك في الإنسان شيئاً عميقاً.. كما يرى الروائي المغربي عبد الكريم الجويطي، وهو نائب رئيس أحد فرق كرة القدم المغربية، كلاهما يحرّك غرائزه البدائية..‏‏

يشبهها كما لو أنها الطقس البدائي لعملية الصيد.. الكرة هي الطريدة التي يسعى وراءها اللاعب.. وبهذا فهي تحرّك اللاوعي لدى المتفرج.‏‏

وعلى ما يبدو، بالنسبة لهم.. فإن فن مراقصة الكرة لايختلف كثيراً عن فن مراقصة الكلمات.. أوجدوا تقاطعاً.. وشكّلوا وجوداً خاصاً بين الفسحتين.. بين الاستطالتين.. الخضراء وتلك البيضاء..‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية