تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأبـواب.. الحقائـب.. وتأويـلات المسـكوت عنه..

ثقافة
الخميس 26-6-2014
سوزان إبراهيم

1- الأبواب

هذا المسكوت عنه على مساحة الطبوغرافية البشرية أليس قارّة غير مكتشفة بعد؟!‏‏

أظن أن عدد القارات الأرضية يتجاوز الخمس أو الست المعروفة منها, فكل ما ينبت في الخفاء قارة.. كل ما تُحشى به حقائب الصمت قارة.. أو قارات.. ألم تأت التسمية من كون قطعة من الأرض قرّت واستقرت, ألم يستقر كل المسكوت عنه ليشكّل قارة مختفية واقعاً, مؤثرة فعلياً.‏‏

الكائن الفرد في حقيقة الأمر ليس ما يشغله جسده من فراغ الكون فقط.. هو ليس مسافة أو مساحة شاقولية تتراوح بين 150- 200 سم, كما أنه ليس مسافة أو مساحة أفقية تتخذ شكل سرير أو قبر!‏‏

الكائن الفرد قارة.. وربما قارات لم يتم الكشف عنها.. إنه عوالم متداخلة متشابكة مرعبة.. وهكذا تغدو مليارات البشر الست مليارات لانهائية من القارات المجهولة.‏‏

الكائن الفرد ليس باباً لغرفة وحيدة, إنه بابٌ على مجهولات عويصة تتوارى خلفه.. إنها جغرافية وعرة. الكائن الفرد بابٌ ينفتح على عالم شاسع سحيق ومجهول كذلك.‏‏

نحن أبواب لكائناتنا التي لا تحصى والتي لا تحسب في التعداد السكاني للعالم, فكأنما الفرد يصبح ممثلاً وحيداً وحصرياً لكل ما خلف بابه الإنساني. كل فرد هو في حقيقة الأمر طبقات متعددة من حيوات غير مرئية..‏‏

في علم الأرقام لا يبدو الأمر منطقياً.. أما في علم النفس وربما في الفلسفة فأعتقد أنه يأخذ شرعيته من هناك. ما الذي نسكت عنه ويشكّل قاراتنا المجهولة غير المرئية؟‏‏

ما هي المناطق المحظور دخولها في وعينا أو في لاوعينا ولماذا؟‏‏

في المجلد الأول من كتابه «المشاهد» عام 1916 يقول الكاتب الإسباني «خوسيه أورتيغا إي غاست»: «يجب على النظرية أن تفتح عينها الصافية على الحياة التلقائية من حين لآخر.. فالمشاهد يخمن وينظر وكل ما يريد أن يراه هو الحياة كما تتدفق أمامه.... المشاهد يرفض قبول وجود منطقة محظورة في مشهد الحياة»!‏‏

هل بيننا من يستطيع عيش الحياة دون وجود منطقة يُحظّر اطّلاعه عليها, أو اطلاع الآخر عليها؟‏‏

وحدهم الأطفال ربما من يعيش دون عوالم مخفية خلف الأبواب.. ووحدهم- لهذا السبب- أقرب إلى منبع الفطرة والبراءة.. أي إلى الله.‏‏

قد نتمكن من تشبيه حياة الفرد بكرة من الصوف,. يبدأ طرف خيطها بالانسحاب عنها مع أول خطوة في الحياة.. انظروا الآن إلى شبكة الخيوط عويصة المسالك والتي ما عاد مبتداها واضحاً إلى أن يلتقي طرفا البداية والنهاية في نقطة واحدة.‏‏

2- الحقائب‏‏

ما نحن إلا حقائبنا! فالأجساد حقائب الروح.. الابتسامة حقيبة الفرح.. الدمعة حقيبة الحزن.. القلب حقيبة الحب.. والذاكرة حقيبة بعدة طبقات تشمل كل حيواتنا.‏‏

حتى المسكوت عنه في حياتنا هو بشكل ما حقيبة لا نجرؤ على فتحها أمام الآخرين.‏‏

قد نقيم مع صمتنا المحشو بالمسكوت عنه, ونتعرى أمامه.. وأمامه فقط.. ولعلنا بالإقامة معه نشعر ببعض الأمان والطمأنينة طالما أن حقائبه لم تفتح بعد.‏‏

أليست اللغة حقائب المعنى؟! ألهذا نختلف في مستويات الفهم والتأويل؟!‏‏

والحلم.. أي حقيبة هو؟! والصور أليست حقيبة الذكريات؟!‏‏

حين يدهمك خطر.. ما أول الأشياء التي تحرص على حملها معك ودسّها في حقيبة المغادرة وإنقاذها لأنها كما يبدو تساوي حياتك!؟‏‏

البيوت حقائب حيوات الناس.. وحين تُهتك وتُدمّر أين يذهب المسكوت عنه فيها؟!‏‏

القبور حقائب الأجساد التي اضمحلت العلاقة بينها وبين أرواحها.. فتركتها مرةً بحنوٍّ بالغ.. ومرةً بقسرٍ موجع..‏‏

حين تكثر البيوت المهدمة والقبور.. يسرح المسكوت عنه في الأنحاء- إذ هو لا يفنى باعتباره ملحقاً بوعي الكون والإنسانية- بحثاً عمن يأوّله.. فأي المفسرين التقى؟!‏‏

حين يصبح المسكوت عنه حقيبة ثقيلة وعبئاً يهدد الحياة.. قد يصير الوطن صورة نحشوها في حقيبة سفر بحثاً عن باب خارج الأبواب المؤدية كلها إلى الصمت.‏‏

suzan_ib@yahoo.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية