عندما هممت بركوب سيارتي، كالعادة كل صباح، والتوجه إلى مكتبي الذي يبعد عن بيتي حوالي عشرة كيلو مترات، رأيت عبر زجاج السيارة الأمامي
فتاة في حوالي السادسة عشرة من عمرها، تشير بيدها إلي أن أتوقف، فتوقفت، ولم أحرك موتور السيارة.
أطلت الفتاة عبر زجاج الباب الأمامي، وقالت:
- ألست المحامي الأستاذ فلان؟
قلت مستغرباً:
- أنا هو، ما بالك يا فتاتي؟
قالت:
- أحمل إليك رسالة مهمة.
سألت:
- ممن؟
- من سيدة كنت تعرفها.
وأخرجت من جيب جاكيتها الشتائي مغلفاً، دفعت به إلي، فأخذته، فوجدته مغلقاً، وفي لمحة عدت إلى الفتاة، فلم أجدها، كأنها شبح اختفى فجأة، كما ظهر فجأة.
كنت على عجلة من أمري، فحركت موتور السيارة، وسرت بها، لكن شيئاً يشبه القلق راح يداعب قلبي، حرت في أمر الرسالة، من أرسلها؟ ما موضوعها؟ وهل لي دخل مباشر فيها؟
-2-
وجدتني بعد خمس دقائق من سيري بالسيارة لا أقوى على دافع قوي يدفعني إلى أن أمزق المغلف وأخرج الرسالة وأقرأها وأشفي غليلي من الفضول القوي الذي لازمني، منذ دفعت الفتاة بالرسالة في وجهي وحتى الآن، ولأنني كنت مرتبطاً بموعد مع عميل لي، له حفنة من الدعاوى في المحاكم، حاولت أن أخرج الرسالة في أثناء سيري بالسيارة، وقراءتها، وبجهد تمكنت من جمع المسألتين: قيادة السيارة وقراءة الرسالة وكانت رسالة عجيبة.
-3-
حضرة المحامي فلان الفلاني..
أما السلام فعلى ود قطعته وعهد نقضته، ترى ألم يحاسبك ضميرك على أنك كسرت قلب فتاة كانت في عمر ابنتها التي تحمل لك الرسالة؟!
إنه حب قديم منسي من قبلك، في ذاكرتي أبداً، لقد تركتني بعد وعد بالزواج ومضيت من أجل فتاة، كانت صديقتي، وهذا ما آلمني، وجعلني أدعو عليك أن تتألم بمثل ألمي.. في قادم أيامك.
-4-
حاولت أن أتذكر من هي هذه التي جمعني بها حب قديم.
نسيته وهي لم تنسه: أعدت قراءة الرسالة مرة أخرى، وعندما وصلت إلى جملة «وهذا ما آلمني وجعلني ادعو عليك أن تتألم مثل ألمي..» كانت سيارتي قد اصطدمت بعمود كهربائي في الطريق، فشعرت بألم شديد وغبت عن الوعي لحظات، لكنني في لحظة غيابي عن الوعي، تذكرت تلك الفتاة الريفية التي وعدتها بالزواج، لقد ملأ وجهها الطريق في عيني فلم أشعر إلا بالصدمة المؤلمة، إنها عدالة السماء، جاءت بعد عشرين سنة في رسالة الحب القديم.
ومجنون يحكي وعاقل يسمع.