تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل أفقدتنا ثورة المعلومات ذاكرتنا البشرية..النبهان: أدت إلى ضعف في المحاكاة العقلية وتراجع نشاط الخلايا الدماغية

ثقافة
الثلاثاء 25-8-2015
هفاف ميهوب

«لازال الإنسان يعيش في عصرِ معتقداته»

لم يكن من السهلِ على الإنسان, الانتقال من رواية المعلومات شفهياً, إلى كتابتها وتخزينهاولو نقشاًعلى جدارٍ...هو ذاكرة البشرية. الذاكرة التي جعلت «إيزيس» تصرخ محذِّرة زوجها الإله «أوزيريس, وعندما خطَّ أول نقوش الكتابة على الجدران: «هذه النقوش سوف تجعل الناس يفقدون ذاكرتهم»..‏‏

أيضاً, ولدى اختراع المطبعة, هتفَ أحد رواد عصر النهضة: «من المخجل أن يمتلك المرءُ كتاباً مطبوعاً».. هتف بذلك, لأنه كان يرى بأن قيمة الكتاب تكمن بأن تخطه يدُ الإنسان وذاكرته..‏‏

كل ذلك, لم يمنع من انتشار الكتاب إلى أن عظمتْ مكانته الثقافية والاجتماعية. المكانة التي خطفتها التكنولوجيا الرقمية. تلك التي جعلت الإنسان منغلقاً على الحياة والثقافات, ومنطلقاً باتجاهِ عالم الأحلام والأمنيات, التقينا الدكتور والباحث «يعرب النبهان» لنسأله:‏‏

• بدايةً, وقبل أيِّ شيءٍ, نودُّ منك شرحاً مفصلاً لماهية تكنولوجيا المعلومات, ومن ثمَّ الأدوات التي اعتمدتها واستخدمها الإنسان لتحقيق حاجته إلى معلومة سريعة وغنية؟.‏‏

•• لطالما كان حلم البشرية, هو جمع المعلومات في إناءٍ واحد له القدرة على التنقل في كلّ مكان, استطاع الإنسان في العصر الحديث, تحقيق هذا الحلم, وبتطوير علم يربط بين المعلومة ونقلها, وهو تكنولوجيا المعلومات. العلم الذي تقدمت فيه البشرية بسرعة حقَّقت من خلالها حلمها.‏‏

لقد باتَ بإمكان كلّ من يسمع بكلمة «تكنولوجيا المعلومات» أن يعرف ما المقصود منها, فالـ «الانترنت» الذي أصبحنا نعايشه, و«الهاتف» الذي نمسك به دوماً لنستخدمه. أيضاً, مواقع الدردشة «فيسبوك» الذي أدخلنا إلى عوالمه الافتراضية, و«التويتر» الذي نكتب فيه كل مايخطر ببالنا معتقدين بأن هناك من يسمعنا. كذلك, «برامج الاتصال الحديثة التي تسمح لنا بالتواصل عن بعد.. الخ.».‏‏

لكن, وبالرغم من كل هذه الوسائل, وهذا الانتشار المعلوماتي السريع, إلا أن قلائل جداً من يسيطرون على عالم البحث والتطوير في هذا المجال, فالغالبية العظمى مستخدمين فقط, والأمثلة كثيرة, منها «لو قرَّرت البحث عن معلومة مفيدة باللغة العربية, ستفاجئ بعدد الروابط, التي تجدها في «غوغل», وتفتخر أن المحتوى كبير, فتفتح الروابط لتجد المعلومات قد نُسخت كما هي دون أي تعديلٍ، أيضاً, تجد أن المحتوى العربي على شبكة الأنترنت, ضعيف جداً, وكمية المعلومات كبيرة ومخادعة, بنفس العناوين أو الإعلانات الزائفة.‏‏

• هذا عن تكنولوجيا المعلومات, ولكن ماذا عن التقنية التي اعتمدتها إلى أن جعلت الإنسان, جزءاً من رقميّتها؟.‏‏

•• تقنية المعلومات, مصطلح جديد دخل العالم في القرن الحادي والعشرين, وهو علم كبير وعميق, يدخل كل مجالات الحياة, وأينما وجدت المعلومات.‏‏

إنه دراسة وتحليل وتصميم وتنفيذ البرامج المعلوماتية التي تطبق على شكل عمليات حاسوبية تتحكّم بالأنظمة بكل أشكالها, بل ويتم الاعتماد على بعضها في استشراف ماقد يُقرَّر مستقبلاً.‏‏

ببساطة, هي كل الطرق التي يستخدمها الناس في اختراعاتهم واكتشافاتهم لتلبية حاجاتهم, وإشباع رغباتهم ولتوفير سبل الراحة لديهم. أيضاً, هي استخدام الأدوات والآلات والأساليب ومصادر الطاقة التي تجعل العمل ميسوراً وأكثر إنتاجية, وبمدة زمنية قصيرة وتختصر الجهد والتعب.‏‏

كل هذا, حلم به الإنسان وسعى إليه جاهداً إلى أن ناله, ودون أن يعيش هذا الإنسان إلا في عصرٍ تقني واحد. عصر معتقداته. العصر التقني الصناعي فقط.‏‏

• إذاً, حبَّذا لوتحدِّثنا عن انطلاقة ثورة المعلومات, وعن ارتباطها بذاكرة الإنسان ومافيها من معلوماتٍ. أيضاً, عما إذا كانت قد أدخلته إلى الآفاق التي حلمَ بدخولها؟.‏‏

•• في الماضي, كان من السهل على الإنسان, أن يحتفظ في ذاكرته, بكل المعلومات الضرورية التي يراها تحقق رغباته ومصالحه, ثمَّ بدأ في الدخول إلى آفاقٍ جديدة للمعرفة, وأُدخلت علوم جديدة وأنماط مختلفة من أدب وفن وعلوم وهندسة واقتصاد واتصالات, ولما كانت قدراته العقلية محدودة في حفظ وتخزين المعلومات, بدأ باستحداث وسائل وأساليب جديدة, لتسجيل كل العلوم وصياغة كل الفنون. اعتنق مذاهب كثيرة في سبيل ذلك, الرسم والكتب والحفر والطباعة والفهارس, ثم الحاسب والميكروفيلم. كل هذا كي لاتضيع منه أي معلومة يراها تفيد في مراحل لاحقة.‏‏

في القرن الماضي, حدث فيضان معلوماتي وجد الإنسان فيه أنه أمام سيول من البيانات التي لاحصر لها, ولرغبته الشديدة بالاحتفاظ بما وصل إليه العلم الذي كان ثمرة كفاحه, سعى لجمع وترتيب ثم معالجة وتخزين واستخراج البيانات, وشعر حينها, بأنه حقق ماأراد من احتفاظه بما وصل إليه من علوم, على أن يستدعي مايريد في الوقت المناسب وبالقدر المناسب, وعلى قدر حاجته إلى المعرفة.‏‏

أما عن جذور ثورة المعلومات, فترجع إلى ثلاثين عاماً مضت, وعندما تكونت مجتمعات الحاسب, وظهرت نظمه المتعددة, ماأدى لتجمع فئة من المهتمين, وتركيز نشاطهم على جهاز الحاسب, وقد شكل هذا, شخصية مجتمع معلومات القرن الحادي والعشرين.‏‏

• سؤال أخير, هل تعتقد بأن ثورة المعلومات هذه, وماواكبها من تقنيات الاتصال, قد يفقدْ البشرية فعلاً, ذاكرتها الغنية؟‏‏

•• هذا الكلام منطقي إلى حدٍّ ما, فالتكنولوجيا اليوم, أدت إلى ضعفٍ في المحاكمة العقلية, وإلى تراجع نشاط الخلايا الدماغية, حيث تحوّل الإنسان إلى رجل آليٍّ لايرى أمامه سوى شاشات رقمية, ماأفقد ذاكرتنا ماكان يُغنيها ويُنشطها من حكايا الأجداد والأمهات. الحكايا التي لم تعد موجودة لا في ذهن أطفالنا ولاأجيالنا, مانجم عنه عزلة وانطوائية, حتى ضمن الأسرة الواحدة, إضافة إلى انعدام التلاحم الأسري.‏‏

نعم, لقد استلبت التكنولوجيا من أطفالنا وأجيالنا كل ماكان يُغني وينشِّط الذاكرة البشرية. استلبت أوقاتهم التي كانت شغوفة بسماع الحكايا وقراءة القصص, والتي باتت منغلقة إلا على شاشات وأجهزة رقمية..‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية