تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وللكتابــــة طقوســــها أيضــــــاً.. ؟!

ثقافـــــــة
السبت 24-9-2011
رمضان إبراهيم

كثيرة هي الأحيان التي نسمع فيها عن كاتب عظيم خلّف وراءه العديد من الأعمال الأدبية المختلفة ونسعى للتعرّف عليه عن قرب بغية الوصول إلى رسم صورة معينة عن الحياة التي يعيشها الكاتب أحياناً. ونتساءل بكثير من الدهشة: متى وأين وكيف ولمن يكتب؟!.

ربما كان الجواب بسيطاً في بعض الأحيان، لكنه معقّد في أحيان أخرى وقد يأتينا متعدد الجوانب والأوجه . إذ للكتابة طقوسها كما يرى البعض، ولها أوقاتها أيضاً ومحرضاتها ومسبباتها ودوافعها. والكاتب كالمصور - أحياناً - الذي يحمل معه آلة التصوير ويبحث ويفتش عن منظر قد لا يراه إلاّ من امتلك الإحساس المرهف ودقة الملاحظة.‏

ولو حاولنا البحث والغوص في إيجاد الإجابة على هذه الأسئلة المتعددة لحصلنا على إجابات عديدة بقدر الكتّاب الذين نجري معهم اللقاء أو الذين نقوم بسبر عواطفهم ومشاعرهم وأهوائهم تجاه العالم الذي يقومون بخلقه من خلال كتاباتهم وإبداعاتهم. إذاً الكاتب يقوم بخلق عالمه الخاص والتجول في ربوعه والحركة ضمن هذا العالم واللعب في مصائر الأحداث والشخصيات في كل عمل يقوم به حتى لو كان ذلك على حساب علاقاته الحقيقية مع الناس الحقيقيين الذين يحيطون به.‏

ولو تتبعنا العديد ممّن تركوا لنا سيرتهم الذاتية وباحوا لنا بمكنونات أنفسهم لوجدنا أنّ لكل كاتب عالمه الخاص ونظرته إلى الحياة وطريقته في التعبير عمّا يرى ويحس ضمن هذا العالم الذي نتحدث عنه.‏

لدى قراءتي لإحدى الكتب الصادرة عن دار الكلمة للنشر «بيروت- 1981» بعنوان: (بحث في تجربة الكتابة) وجدت به مايسعفني في إتمام مقالتي هذه والتسكع قليلاً في عوالم من سبقونا إلى دنيا الكتابة والأدب. فهاهو الكاتب العظيم أرنست همنغواي صاحب «الشيخ والبحر» يظل مختفياً معظم الوقت في غرفة عمله، لا يظهر إلاّ وقت العشاء وفي معظم الأوقات لا يتحدث مع أحد بل يظل صامتاً في غرفته بعد أن يضع أمام بيته اليافطة التي تحمل العبارة التالية:‏

«يمنع الدخول دون موعد» ويذكر في الصفحة 9 من الكتاب أنه في إحدى المرّات كان في منزله ضيفان، رجل من هوليوود وضابط من واشنطن، لكنه لم يستطع أن يقضي معهما وقتاً أكثر من الوقت المخصص للاعتذار منهما إذ قال لهما: «عليكما أن تعذراني، فأنا لاأملك وقتاً بعد اليوم.. الوقت عامة لا أملك منه إلاّ القليل»، وقد فهم الرجلان مغزى الكلام .. فانصرفا. همنغواي كان يرى ويعتقد أن المرء يظل يعمل باستمرار من خلال عقله الباطن وربما من خلال العقل الباطن كان يعيش عالمه الخاص به وبأبطاله وبالأحداث التي يخلقها ويسعى لإيجاد الحلول لها.‏

أمّا مرغريت ميتشل التي أبدعت روايتها الشهيرة «ذهب مع الريح» فقد وجدت نفسها ملزمة على قضاء وقتها في السرير بعد أن تعرضت لحادث سير أقعدها وحدّد حركتها فقد أرادت أن تخلق عالمها الخاص وتعيش معه من خلال تصميمها على الكتابة بعد أن حمل لها زوجها كل ما في المكتبة من قصص وروايات وأخبار وبعد أن قرأت كل ما وصل إليها. مرغريت ميتشل هذه كانت تخاف عملية البدء في الكتابة وكانت الجملة الأولى والفصل الأول أشبه بالقفز في ماء متجمد لا يعرف المرء كيف الخروج منه ثانية.‏

الروائي ادغار والاس الذي كتب روايته الشهيرة «الخائن» في خمسة أيام كان يدخل غرفته ويجلس خلف طاولته.. كان يشرب تقريباً أربعين فنجاناً من الشاي ويدخن حوالي مئة سيجارة في اليوم. كان لا يعرف النهار من الليل. الستائر مسدلة والأضواء الكهربائية مولعة.. لايرى ولا يسمع ما يجري في الخارج.. كان لايحلق ذقنه ولا يستحم ويبقى شعره منكوشاً حتى ينتهي من عمله.‏

أمّا الروائية بيتشر ستاو هارييت التي أبدعت «كوخ العم توم» كانت تقضي الليل كله وهي في غرفتها بانتظار أن تتمكن من وضع عنوان لروايتها. كانت تحمر خجلاً كلما فكّرت أنها تكتب رواية. كيف لا وهي المرأة التي عليها العناية بشؤون البيت والزوج والأطفال، الأطفال الذين كانت تقرأ لهم كل يوم ما كتبت وتراقب ردود أفعالهم.. كانوا بمثابة المحرّض والدافع القوي لها للاستمرار في الكتابة. لكن لم تستطع أن تخفي عن زوجها رغبتها في امتلاك غرفة صغيرة خاصة بها.. هذا ما بدا واضحاً من خلال رسالتها لزوجها: «شيء ما لابدّ من توفره ويجب امتلاكه إذا أردت الكتابة.. غرفة لي وحدي».. هارييت كانت تعتبر أنها لا تملك أي موهبة. كانت تردد دائماً: «إنّ الله يؤلف الكتاب .. وما أنا إلاّ الأداة».‏

أجاثا كريستي التي شغلت نفسها بالجرائم، ومن منّا لا يذكر «مقتل آكرويد» كما لم تفعل امرأة من قبلها كان لها عالمها الخاص أيضاً فهي تخاف الناس كثيراً وتخشى الوقوف وسط الأضواء الساطعة . كانت تأتيها أفضل الأفكار في الحمام..البانيو من الأشياء الضرورية في منزلها حيث تجلس فيه لساعات طويلة.. هذا بالإضافة إلى أن الطبخ كان يثيرها كثيراً..لكن في الأيام العشرة الأخيرة من إنجاز أي رواية كان لا بدّ من التركيز الكبير لدرجة أنها كانت ترفض استقبال الضيوف أو الرد على التلفون وحتى على الرسائل أيضاً .‏

غالباً ما ننهمك في قراءة عمل ما وقد نعجب به أو قد نرفضه لكن دون أن نتساءل عن الحالة التي عصفت بالكاتب والمشاعر التي اجتاحته والظروف التي دفعته لهكذا إنتاج !!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية