تعقد الدورة السادسة والستون للجمعية العامة للمنظمة في الوقت الذي تطمح فيه كثير من الشعوب إلى عالم أكثر أماناً وإنصافاً حيث غدا الأمل مفقوداً في عالم لاعدالة فيه،بل تجترح الذرائع للتدخل في شؤون داخلية لدول مستضعفة لنهب ثرواتها مع غياب شبه كامل للتضامن الدولي المطلوب من أجل إيجاد مخارج تقلص التهديدات المرتبطة بالأمن الدولي التي تثيرها في معظمها الامبريالية ضاربة عرض الحائط بسلطة الأمم المتحدة الحقيقية التي تعد الحرم العالمي الذي يجب أن يسود فيه الحوار الدولي المتعدد الأطراف وليس أفكاراً مثل «من ليس معنا فهوضدنا» أي الطرف الآخر هو عدو بشبهة أنه «ليس معنا» وهي أفكار أدت إلى تحول مستهجن وعصي على العقلانية وهو مسألة التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ويقوم هذا المبدأ على التدخل بذريعة أن دولة تفرط مع شعبها علماً أن المادة الثانية من الميثاق «ف7» تحظر التدخل، ولكن مبدأ التدخل لافحوى شرعية يمكن تكييفها له بمفوم القانون الدولي، وفقط استند إلى أن الخطر على أمن داخلي لدولة ما يشكل خطراً على الأمن الدولي! وبهذا نرى أن سيادات الدول ستغدو منقوصة بذريعة أنها قصرت أو اتهمت بالتقصير في شؤون مواطنيها، وهي الطريقة التي استهدفت بها صربيا وليبيا بزعم فرض احترام حقوق الإنسان ، في الوقت الذي نجد فيه المجاعات تضرب بالعالم بسبب الحروب،مهما كانت ذرائعها التي تتلون بألوان غريبة.
ومن هنا اعترى عمل المنظمة إخفاقات ولحقت بها انتقادات بأنها لم تنجح في ظل هيمنة الولايات المتحدة عليها في تحقيق تقدم في مجال الحوار، وإعلاء قيمة الإنسان على الصعيد الدولي، فغدت مؤسسة يتم اللجوء إليها، ولاسيما إلى مجلس الأمن، لصناعة الأزمات بدلاً من حلها، علماً أن الأصيل في تكوينها تفادي الصراعات وتنظيم أمن البشر.
وهي لم تستطع بمؤسساتها التي تهيمن عليها أميركا أن تردع نزعة الاستعمار لدى الامبراطوريات السابقة التي تحاول اليوم الخروج من تحت الرماد، بل لم تستطع القيام بدور القضاء على الاستعمار وعودة ظهوره لأن قسماً من الدول التي ساهمت في إنشائها بعد الحرب العالمية هي دول استعمارية .
كما لم تسد المساواة قط بين الدول بسبب حق الفيتو الذي استخدمته أميركا عشرات المرات دفاعاً عن إسرائيل والمشروع الصهيوني.
ومبدأ ازدواجية المعايير يطغى على الصعيد الدولي، عندما نجد جهود المنظمة في نزع السلاح ومكافحة الأسلحة الجرثومية والكيماوية والذرية تذهب هباءً، بسبب سياسات واشنطن وخاصة بشأن النووي الإسرائيلي الذي يشكل أحد الممنوعات التي يجب على المنظمة عدم الاقتراب منها.
أما دورها في إزالة التمييز العنصري إضافة لما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) فمازالت توصيات لم تستطع حماية المرأة والطفل من الحروب الامبريالية والصهيونية والعراق مثال، حيث لم تستطع وحدات القبعات الزرق أيضاً إعادة إعماره الأمر الذي يعد من صلب اختصاصها.
والأمم المتحدة بمعظم مؤسساتها ودولها تتحرك بنيات حسنة لتقديم مساعدات فنية للدول الفقيرة أوالتي هي بحاجة إليها، بينما تقوم دول الاستعمار القديم والحديث غالباً باستغلال تدريب الكوادر فنياً من أجل التجسس على الدول التي تقدم إليها الخبرات الفنية.
وفي الوقت الذي تزداد فيه تحديات عولمة الاتصالات والاقتصادات تزداد الهوة بين الشمال والجنوب ويزداد الاحترارالعالمي في البيئة التي تعد ملكية مشتركة للبشرية، وهنا نجد دولاً تسعى للمتاجرة بالبيئة بوضع ضرائب على الدول، ولعل ماتقدم هو انتقادات ضد أسلوب تحريف عمل الأمم المتحدة من قبل دول جشعة وليس ضد المضمون والأسس التي ترتكز إليها المنظمة ، حيث تظل الأطراف التي تفضل الطروحات الأحادية الجانب تنظر إلى المنظمة لتسيير مصالحها الذاتية ، على عكس الدول التي تسعى إلى إصلاحها ولاسيما أنصار عالم متعدد الأقطاب حيث تتوطد روح الشرعة التي تقوم عليها، فيكون أي تحرك دولي قائماً على نقاش وقرار جماعي بعيداً عن النزعات الأحادية الجانب التي مثالها اتهام العراق بأسلحة دمار شامل ،حيث نشرت الأمم المتحدة جهاز تفتيش متخصصاً بناء على تحرك الولايات المتحدة لتبرير احتلاله من خلال تلفيقات وادعاءات أحادية أدت إلى قيام تحالف عام 2003م لضربه واحتلاله من دون الحصول على موافقة مجلس الأمن، أما ليبيا فكانت ذريعة تقويضها التدخل الإنساني بقرار أممي 1973 سوغ حظراً جوياً توسع ليصبح دون شرعية تدخلاً على الأرض.
وعند أي حديث عن إصلاحات في المنظمة يتجه التفكير أولاً إلى تخليصها من هيمنة أميركا عليها لتستطيع أن تحدد تعريفاً للإرهاب، أوكبح الانتشار النووي الإسرائيلي، وضبط إيقاع بعض مؤسساتها مثل البنك الدولي وصندوق النقد اللذين ساهما في كبح التنمية في العالم بل في تقويض اقتصادات الدول من خلال سياسات نقدية فرضاها عليها.
ولما كان ميثاق سان فرانسيسكو 1945 يتناول حقوق الإنسان قاعدة أساسية لكرامة البشر من خلال منع التطهير العرقي وعمليات الإبادة وملاحقة الجرائم ضد الإنسانية، نجد أنها- الأمم المتحدة-لايمكن أن تحاسب أميركا أو إسرائيل والغرب على حروبها التي ترتكب فيها المجازر، فمحكمة الجزاء الدولية لن تلاحق قط جرائم التعذيب والقتل أيضاً والجرائم التي ترتكب في العراق وغزة وليبيا وغيرها حيث لايكفي زعم وجود واجب مساعدة الضحايا حيث يكون الإنسان يحيا بكرامته في بلاده وتأتي الحروب الباحثة عن النفط لتذله وتقذقه في أتون الفقر الذي لم تستطع أهداف الألفية من أجل التنمية القضاء عليه وعلى الجوع، وحيث ضمان الاستدامة البيئية أمر مستحيل في ظل استخدام اليورانيوم المنضب في حروب الامبريالية .