وقضيتنا في الوقت الحالي هم الروهينجيا , الذين يشكلون أقلية في إقليم راخين في ميانمار ( بورما ) . ووفقاً لمقالات تنشرها وسائل إعلام مرموقة وجماعات حقوق الإنسان ( الممولة من الحكومات ) تضطهد حكومة ميانمار الروهينجيا وكثير منهم قد فر إلى بنغلادش ذات الغالبية المسلمة . وقالوا لنا أن الروهينجيا « والتي غالباً مايصفونها بأنها الأقلية الأكثر اضطهاداً في العالم على يد البوذيين في راخين بتحريض من رهبان متعصبين تدعمهم حكومة وطنية يواجهون عملية إبادة جماعية وتطهير عرقي . وعلى المجتمع الدولي أن يفعل شيئاً !
وإن كان ذلك يبدو مألوفاً لنا , فالسبب أن هذا حصل . وتقريباً كلمة بكلمة مما ذكرته الرواية الغربية وإعلامها الرسمي عن الصرب في كوسوفو والميتوهيجيا في أواخر التسعينات . يكفي استبدال « مسلمي الروهينجيا « بالمسلمين الألبان وإقليم راخين بصربيا وبوذيين التيرافادا بالمسيحيين الارثوذوكس .
ولا شك أن الرواية الرسمية عن كوسوفو كانت ولا زالت صورة عن قلب الحقائق ففي أواخر التسعينات قامت أجهزة الاستخبارات الغربية ومعها حلفائها من دول الخليج وتركيا وكذلك « الجمعيات الخيرية »الإسلامية المرتبطة بالقاعدة بإدخال أسلحة إلى كوسوفو لدعم الجماعات الإرهابية المسلحة المعروفة مثل جيش تحرير كوسوفو , والذي قام بقيادة بارونات المافيا الألبانية بمهاجمة موظفين ومدنيين صرب وقتلوا ألبان مسلمين غرض تحريض الحكومة على الرد وتصبح ذريعة لتدخل المجتمع الدولي , أي الولايات المتحدة وحلف الناتو من أجل وضع نهاية لإبادة صربية وهمية للألبانيين .
حينها كان التدخل المقترح للناتو بقيادة أميركية في كوسوفو قائماً إلى حد كبير . والعنصر الوحيد المفقود هو وجود حدث – مع تغطية إعلامية مناسبة – يجعل التدخل مشروعاً سياسياً , وحتى حتمياً , بنفس الطريقة التي تم فيها التدخل في البوسنة عام 1995 , عقب سلسلة من قذائف الهاون التي قتلت المئات من المدنيين , قامت فيها سلطات سراييفو , المستفيدة الرئيسية من التدخل من أجل تبريره . وضمن هذا السياق ومن أجل هذا الغرض كان يجري الحديث عن مقابر جماعية تحوي مئات الجثث لمدنيين ألبان مقتولين ومقاتلين من جيش تحرير كوسوفو .
ولكن لا يعني أوجه الشبه بين المسؤولين الرسميين ووسائل الإعلام للروهينجيا في عام 2017 والكوسوفار بين عامي 1998- 1999 أن التدخل العسكري الخارجي وشيك أو حتى في الأدراج . كما أنه لا يعني دحض حقائق معاناة الروهينجيا أو البعض منهم من القمع . وإنما فقط للإشارة أنه عندما يمتطي المتلاعبون المعروفون في وسائل الإعلام والمجتمع الدولي حصان الإبادة الجماعية , لا بد لنا من اتخاذ الحيطة , وأن نسأل نفسنا : ما هو الجانب الآخر من الرواية .
على سبيل المثال , ووفق لما ذكره موقع مون اوف الاباما :
ينصب اهتمام وسائل الإعلام على العنف العرقي الخفيف في ميانمار . والقصة في الصحافة الغربية هي أن مسلمي الروهينجيا يتعرضون ظلماً للتشويه والتعذيب والقتل على يد جموع بوذية وكذلك على يد الجيش في ولاية راخين على مقربة من الحدود مع بنغلادش . وانضمت منظمات ليبرالية مثل هيومان رايتس ووتش إلى الإسلاميين مثل الرئيس التركي اردوغان لترثي بصوت عالي محنة الروهينجيا .
وقد حدث هذا التحالف الغريب خلال الحرب عى ليبيا وسورية وفي كوسوفو . إنه تحذير . فهل يمكن أن يكون خلف الأكمة أكثر من صراع محلي في ميانمار ؟ وهل ثمة من يضرم النار ؟
في حين أن الصراع العرقي في إقليم راخين يعود إلى عهود قديمة , إلا أنه تحول خلال الأعوام الأخيرة إلى عصابات جهادية ممولة وموجهة من قبل المملكة السعودية . فالمنطقة لها أهمية استراتيجية كبيرة .
« تحتل راخين دوراً مهماً في ( المبادرة الصينية – حزام الطريق أوبور) لأنها تعتبر منفذاً على المحيط الهندي وموقع المشاريع الصينية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات – مشروع المنطقة الاقتصادية على جزيرة رامري وميناء المياه العميقة في كيوكفيو , حيث ترتبط أنابيب نقل الغاز الطبيعي بكونمينغ في مقاطعة يونان . ويتيح امتداد خطوط نقل النفط من الضفة الغربية لميانمار إلى شرق الصين باستيراد المواد البترولية من منطقة الخليج العربي إلى الصين مع تجنب قناة ملاقا الضيقة والأجزاء المتنازع عليها في بحر الصين .
هذا ومن مصلحة الغرب عرقلة مشاريع الصين في ميانمار . ويمكنهم التوصل إلى ذلك من خلال مساعدة الجهاديين في راخين .وإن إظهار التعاطف الحقيقي أو المخادع تجاه ضحايا الروهينجا فيه عوامل جذب للحكومات الغربية ووسائل الإعلام :
فهو يسر أصدقاء النخب الغربية في الرياض وأنقرة وإسلام أباد في رؤية الغرب يقف إلى جانب المسلمين في الوقت الذي لم يدافع أحد منهم عن المسيحيين في العراق أو سورية الذين تعرضوا لإرهاب القاعدة أو داعش .
وأن الغرب لا يقبل بالتحيزات أو الأحكام العنصرية ضده .
ولعل الأهم من ذلك أن الدفاع عن الأقليات المسلمة التي يفترض بأنها مضطهدة يسمح للحكومات الغربية ووسائل إعلامها أن يبطلوا الاتهامات الموجهة لهم عن قتل ملايين المسلمين في عمليات ( نشر الديمقراطية ) في بلدان غالبيتها من المسلمين مثل أفغانستان والعراق وسورية واليمن والصومال وأماكن أخرى . وصحيح أن المئات من غير المسلمين قد قتلوا أيضاً ضمن تلك المساعي الإنسانية , ولكن قتلهم لم يستثمروه سياسياً , وأي حكومة أو حركة إرهابية لم تهدد بالانتقام لهم .