تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«بريق الكهانة»

معاً على الطريق
الخميس 8-11-2012
لينا كيلاني

لبعض التسميات رهبة تقع على السمع قبل أن تقع في القلب.. تسميات وقعت في عصور قديمة تلتصق بالمعابد، وتلف أصحابها بالغموض والأسرار.. فمن هم هؤلاء؟ إنهم الكهان.. كهان المعابد حاملو الأسرار..

فهل الكاهن شخص عادي أم إنه يتمتع بقدرات فوق طبيعية، ولديه ملكات غير اعتيادية؟ هل هو شخص يدّعي معرفة ما لا يعرفه الآخرون أو البشر العاديون، أو فعلاً كذلك إذ يعرف المجهول، ويقرأ صفحات ما تخبئه الغيوب؟‏

لقد كان الإنسان القديم في أكثر الحضارات الماضية تقدماً يؤمن بالكهانة والكهان فيعتبرهم أناساً مقدسين، والغيب مكشوف لهم فيقصدهم ليعرف قدره، أو ربما استعان بهم لتغيير الأقدار بما هو أفضل.‏

أما الكاهن إذ يستقر أغلب الأحيان في المكان المقدس فهو الأجدر إذن بالقرابين والهبات والعطايا، وهو الذي يعرف أسرار الحاضر، ولديه مفاتيح المستقبل، وهو الأجدر أيضاً بأن يُحترم لأن باستطاعته أن يحرم المرء من نعمة يتمتع بها، أو يأتي له بالمرض أو الفقر أو المصائب.‏

وهو أي الكاهن مَنْ يستطيع أن يحفظ حياة الناس في بقعة معينة من الأرض إذا ما تنبأ لهم أين تختبئ المياه في جوف هذه الأرض، وهو الشخص ذاته الذي يستطيع استحضار أرواح الأجداد، وقراءة ما تنبئ به النجوم والأفلاك، وتفسير الرؤى والأحلام، واستقراء الحظ أو سوء الطالع والنحس، وقد يكون له دور في درء ذلك أو استقدامه.‏

إلا أن من هؤلاء الكهنة مَنْ هم متميزون في مكانتهم لدى شعوبهم وضمن حضاراتهم فعملوا في تطبيب المرضى سواء باستخدام الأعشاب، أو بتلاوة عزائم خاصة لا يعرفها إلا هم، أو بتقديم القرابين والأضاحي مصحوبة بالأدعية. وقد يمتزج كل هذا بما أصبح يعرف بالسحر، وللسحر حديثه الخاص.‏

وإذا كانت كلمة الكهانة قد غابت عن قاموسنا العصري فما زالت في مدلولها موجودة ولكن بطرق أخرى، وصور أخرى.. فها نحن في عصر الاتصالات، والفضاء، والزمن الرقمي نتلمس خيوط كهانة عصرية من خلال الشاشات أكثر من الكتب، ومن جلسات المتنبئين والمنجمين، هذا عدا عن المسارب السرية التي من خلالها يصل الناس فرادى أو جماعات الى مزارات قارئي الغيب الذين لا يعرف عددهم أحد.‏

هل هي مفارقة أن يرتفع العلم على أجنحة السفن الفضائية الى الأجرام السماوية ويهبط الشوق الى معرفة الغيب لدى الإنسان الى هذا المستوى من الضعف واللجوء الى الغوامض والأسرار؟‏

لكنها الطبيعة البشرية التي حجب عنها الغيب بقدرة إلهية تجهد ولو بأي ثمن للوصول الى معرفة ما يجري.. ولو أن ما يجري عموماً هو فوق كل التوقعات.. برق خاطف لا يدري أحد ما يحمله من صواعق.‏

قناة عجيبة تدخل في هذا المجال وهي التحليل النفسي أو السياسي الإخباري، أو ربط الأحداث بعضها ببعض، أو ربما قانون الاحتمالات.. فإذا ما صادف وصدقت بعض التنبؤات فهي إذن تعطي العذر لمن يتكاثرون حول الكهانة المعاصرة وكأنهم يوقظونها من سبات عميق من أيام بابل الآشورية، وفراعنة مصر القديمة، وعرّافة (دلفي)، ومَنْ تنبؤوا بالحروب الكبيرة بل وبنتائجها كحرب طروادة، أو غزوات المغول، وغيرها.. وغيرها.‏

ولعل في ضمير كل منا هذا التوق الى هذه المعرفة ذات النوعية الخاصة وهو يسير نحوها بسرية وغموض أكثر من العلن، وقد يستعين ليس بما بين أيدينا من كتب أو وسائل معرفية بل بالرجوع الى المصادر القديمة والقديمة جداً لعله يمسك بخيط مهما كان رفيعاً يصل بين الحقيقة وبين وهم المصادفة الذي يصدق أو لا يصدق.‏

ولا يبرأ من هذا التوق الخفي حتى رؤساء دول، وشخصيات من العظماء والنابهين ولو كانوا من الرياضيين.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية