تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سينما.. زخم المشاعر المختلطة.. في قبضة «محارب»

ثقافة
الثلاثاء 21-8-2018
لميس علي

غالباً، ما أُريد لحلبة المصارعة التي كانت مرتكزاً لمواجهاتٍ عنيفة بين بطلي فيلم (مُحارب) التماهي مع حلبة الحياة..

في تلك الحلبة المعدّة للصراع والقتال العنيف، تمّ تكثيف لحظات الحياة التي نتعرّض فيها لكثير من العنف الذي جُسّد في الفيلم وفق مستويين، نفسي وجسدي.. ولطالما أريد للجسدي أن يلتقط أبعاد عذابات تعنيف نفسية نواجهها مدى حياتنا وهو ما كان من أمر (تومي) الذي أدّى دوره بأسلوب أكثر من لافت المميز توم هاردي.‏

بسهولة يمكن تصنيف فيلم (محارب، Warrior) للمخرج جافين أوكونر، فيلم حركة رياضي، أكشن وعنف، ووراء كل حركته وعنفه الظاهري ثمة نوع من الصراعات التي لا تُلحظ لحظ العين لكنها تُرهق المرء قلباً وعقلاً وروحاً.. ولهذا ستكون لحظه الانفجار متطابقة تماماً ولحظة المواجهة على حلبة المصارعة.‏

عِراكات «تومي»، كما يُلاحظ في الكثير منها، كانت بمثابة تنفيس عن غضب مكبوت سيصل ذروته لحظ مواجهته مع أخيه «براندن» الذي أدى دوره «جويل إجيرتون»..‏

في مواجهة الاثنين، الشقيقين، الجزء الأخير من الفيلم، حين تكون الحكاية وصلت إلى أقصى ما يمكن لها أن تحمله لنا وتتحمّله من مزج للحظات شعورية مختلطة، فليست تلك اللعبة الرياضية التي يمارسونها هي «المختلطة» وحسب، كما يوصّفونها، إنما كل المشاعر المتناقضة، الممتزجة، المزدحمة، المتنافرة، هي «المختلطة» أيضاً.. التي عبّر عنها مشهد المواجهة بين الشقيقين أفضل تعبير..‏

فكلاهما يحمل مشاعر الغضب والنفور من الأب (بادي، نيك نولتي)، ويعيد توجيه ذات المشاعر للآخر منهما.. هكذا تأتي حكاية الثلاثي «الأب مع ابنيه»، لتصوّر بيئة أسرية غير سليمة نفسياً لجهة علاقة أفرادها ببعضهم.. فالأب عانى من الإدمان ما أثر على أسرته وسبّب تشتتها.. وليبقى «تومي» صاحب الأذية الأكبر، متعرّضاً لإهمال الأب والأخ الكبير ومن ثم لفقد الأم وفقد الصديق الذي مات بنيران صديقة أثناء خدمتهما مع القوات الأمريكية في العراق ما يدفعه للهروب من وحدته..‏

كل هذه الضربات «المعنوية» يتلقاها تومي.. ويبدو أنه يتقن تفجيرها ضرباً جسدياً أثناء ممارسته لرياضة «فنون القتال المختلطة» عبر مشاركته ببطولة «إسبارتا» التي يشارك فيها أخوه «براندن» مضطراً بسبب ديونه للبنك.. أما «تومي» فيدخل البطولة راغباً بمنح جائزتها المالية لزوجه صديقه الذي قُتل خطأً.‏

هل كان الأخوان يعلمان أنهما سيصلان للحظة المواجهة على حلبة القتال.. اللحظة التي راوغا طويلاً لأجل الإفلات منها واقعياً..؟‏

لاسيما أنهما حين تقابلا قبل المواجهة، في موقع البطولة لم يزد اللقاء كلّاً منهما إلا تشبّثاً بموقفه.. لم يحرزا خطوة تقارب.. ما سيجعل المواجهة الرياضية القتالية أكثر حدّةً.. وهو ما كان.. لكن إلى حين.‏

لا ينفلش العمل صوب إظهار تفاصيل قسوة رياضة جسدية.. تتناغم وقسوة الشقيقين ضد بعضهما وضد الأب، فقط، إنما يحصّل نوعاً من توازن بين العاطفة المخبّأة والقسوة الظاهرية..‏

وكأنما القتال بين الأخوين تصاعد وصولاً إلى أقصى ذروته، ليعود إياباً إلى أصل كينونة العلاقة بينهما.. وفي اللحظة التي يطلق فيها «براندن» عبارة أسفه عمّا فعله بحق «تومي».. في اللحظة التي يعلن له فيها عن حبّه.. يتراجع «تومي» عن متابعة القتال.. ينسحب لصالح فوزه بأخيه..‏

إنهاك عاطفي ولا ألذ.. يلتقطه العمل تمت تغطيته بقشرة عنف ظاهرية.. وكلّما علا صوت القسوة ضرباً مبرحاً كلمّا علا صراخ الحب والعاطفة التي ينوء بحملها قلب كل من الشقيقين.. وكأنما يصرخ قلباهما رغبة بالإعلان عن مسامحة ومغفرة.‏

ثمة الكثير مما يُقال عن الفيلم من إتقان نصّي إلى أدائي وإخراجي.. فثلاثي الأداء برع كل منهم وأجاد في التقاط جوهر الشخصية وتجسيدها بمنتهى الحرفية.. وكان ترشّح «نيك نولتي» لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عام2011، وحصل الفيلم على المرتبة (142) ضمن أفضل (250) فيلماً في التاريخ حسب تقييمات موقع imdb)).‏

lamisali25@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية