تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هـواجس.. بين الحـــزن والتفـــــاؤل

مجتمع
الثلاثاء 21-8-2018
زهور نجيب محمد

صمتٌ يخيم، وشفاهٌ حائرة، وغصةٌ تقف في الحناجر وهي تعدّ حقيبة أحد أبنائها المقاتلين، فتنشر بين ثناياها أشواقاً وأدعيةَ قلب صابر، وخلسةً تضع بين ثيابه قطعة قماش طرزت بحروف من بعض آيات الذكر الحكيم علها تحميه فيعود لها سالماً، وغصنَ ياسمين ليته يزيل رائحة الدم والدخان المتصاعد،

وقليلاً من التين والزيتون ليطعم رفاقاً أتعبتهم كثرة المعارك، وفي جيبه وضعت ورقةً تحمل الكثير من القبلات كُتب عليها: (بنيّ أكثر السؤال عن أخوتك بلا يأس فإن سجانيهم يقتلون بدمٍ بارد) ولا تخلو الحقيبة من عبرات تحمل قهر سنين ثمانٍ.‏

على عتبات الزمن تجلس تلك الأم التي ملّها الانتظار ولم تملّه، فاتتها جميع الرحلات ولم تحرك ساكناً وترد على كلّ سائل: (هنا ذكرياتي معهم، صورهم في كلّ زاوية أصبّح وأمسّي عليهم، أعاتبهم على طول غيابهم، فإذا ما فارقتهم نيران في صدري تستعر) وياسمينة أمجد صغيري المدلل أأتركها تذبل؟ محال ذلك.‏

تسرق من الليل غفوة تستعطف الدهر فيها أن يعيد لها أحبتها فها هو طيفٌ من بعيدٍ يقترب :(إنها سمر والله سمر، فالرائحة رائحة أنفاسها، والصوت صوتها، والضفيرة الذهبية أنا من ضفرتها بنفسي، أتوسل إليك يا ليل تمهل، لأضمّها، لأشمّها، وأريد أن أعتذر لها لأني لم أسمح لها بارتداء ثوبها الأبيض الذي طالما أحبت.‏

آهٍ يا أماه إن انتظرك الليل لن ينتظرك الفجرُ وقد بزغ فجر مختلفٌ، أفسد حلمها، وأدمى فؤادها، وزاد من أوجاعها ولم يقبل بولد واحد من أبنائها(فيا الله كن لطيفاً بحالها)فالانفجار كان أنانيّ الخيار، أختار أمجد وأعاد الحقيبة بلا محتويات فنذيرٌ لم يسلم أيضاً وعامر فكيف الحياة بعدهم ستعاش؟‏

انفجار اقتلع الأمل وما سأل، أمات أطفالا بلا سبب، إنه يوم طويلٌ وشاق لم يشعر بحالها، فشمسه عاودت الشروق والليل بهمومه لم يلبث أن يطول، والناس كعادتهم في ذهابٍ و إياب حزنها يأكل جسدها والهم يلطم جانبيها وبالصبر تجمل نفسها وبطيب الكلام (الحمد لله على كل حال يا الله ألهمني الصبر فمصابي جليلٌ تخرّ له الجبال ).تنفض عنها غبار التعب، وتترك وراءها ريح الموت لازال هنالك من يحتاجها فمنها تستمد العزيمة والصبر على الآلام.‏

لكن الموت كأنّما في بيتها طاب له المقام فريح الحقد والبغض تطرق أبوابها كما معظم أبواب السوريين وسيوف الباطل على رقاب أحبتها ورحمة من الله أن غابت عن الرؤية عيونها والتقت بطيف أطفالها وهم في الدار يلعبون، فظيع ما جرى من حولها.‏

نشف الدم في العروق وجفّ الدمع في المقل وما عاد للكلام من معنى، حسبنا الله ونعم الوكيل، حقٌ يضيع مع نور الصباح وباطلٌ يسود في البقاع، ورؤوسٌ تحمل على الرماح. ماذا بقي بعد ؟ بقي طعم الصبر بلون التفاؤل الذي لابدّ أنه قادم ..قادم.. لا محالة بهمة أبطال جيشنا الصامد على كل الجبهات .‏

وكيف الصبر يكون بعد الآن؟‏

هي من تعلمنا كيف يكون الصبر، وأن الحياة لاتقف لموت أحد فقد تكون الذكريات - الحب - القدر- الثأر هي من أبقتها على قيد الحياة، فدم الشباب - وعرض البنات - وأنفاسٌ عائدةٌ مع زبد البحر، وأرواحٌ نادمةٌ على لحظة ضعف هي المحرض على البقاء، فلا بدّ أن يبقى من يربي الرضع، ويعلم الأطفال ومن يخيط للمقاتلين أثواب النصر، ويخط للمهجرين دروب العودة من بعد طول انتظار فلأجل هذا العيش كان هو الخيار‏

أعرفتم من هي ؟‏

هي أيةٌ تردد في المنابر، وشموعٌ تضاء في حضن الكنائس هي الصبر والصمود والعزة، الرضا، الغضب، باقيةٌ رغم أنف الحاقدين.‏

هي أمي وأمك هي أختي وأختك أو ربما انا أو أنتِ‏

هي كلّ أم سوريّة لم تعرف طريقها الحقوق الإنسانية... هي كل أم سَلبت حريتها فِرقاً تدّعي الحرية. فسلامٌ عليك وأنت تضمدين وسلامٌ عليك وأنت خير من تسمو به البشرية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية