تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شكراً لما قدمّتم

إضاءات
الثلاثاء 21-8-2018
سعد القاسم

لا تؤكد جائزة الدولة التقديرية في سنتها السابعة أهمية ما لدينا من قامات إبداعية وثقافية وفكرية فحسب، وإنما تؤكد أيضاً مصداقيتها ذاتها، وهي التي أضحت تملك، رغم عمرها الشاب، سجلاً بأسماء مبدعين لا يختلف أحدٌ على أهمية عطائهم الثري،

وأحدث ما ضمه هذا السجل ثلاث قامات في مجالات الدراسات والإبداع التشكيلي والإبداع الأدبي فازت بجائزة هذا العام، هم الباحث الدكتور محمود السيد والفنانة التشكيلية أسماء فيومي والشاعر نزيه أبو عفش.‏

أحدثت جائزتا الدولة (التقديرية والتشجيعية) مطلع عام 2012 بموجب المرسوم التشريعي 11 الذي نص على إحداث جائزتين في مجال الأدب والفنون الأولى تسمى جائزة الدولة التقديرية، والثانية تسمى جائزة الدولة التشجيعية، تمنح للمبدعين والمفكرين والفنانين، تقديراً لهم على عطائهم الإبداعي والفكري والفني، وذلك في ثلاثة مجالات: الأول الفنون في أحد اختصاصاتها (الموسيقا - المسرح - السينما - الفنون التشكيلية والتطبيقية - الاتصالات البصرية)، والثاني الآداب في أحد اختصاصاتها (الشعر - الرواية - القصة القصيرة - المسرحية - أدب الأطفال). والثالث في النقد الأدبي والفني والدراسات الأدبية واللغوية والترجمة والعلوم الإنسانية. وتضمن المرسوم أن تُمنح جائزتا الدولة التقديرية والتشجيعية سنوياً، ولا يجوز اقتسام الجائزة الواحدة، كما لا يجوز منحها إلا للأحياء، وقد أخذت الجائزة التقديرية طابع تقويم النتاج الثقافي والإبداعي للفائز بها، بما يجعلها أشبه ما تكون بتكريمٍ لمجمل عطاء حياته.‏

يصح وصف الدكتور محمود السيد بالمدافع الصلب عن اللغة العربية، وإنما ليس بحكم المواقع الإدارية التي شغلها، ولا يزال يشغل بعضها، فهذه المواقع كانت نتيجة العمل العلمي الكبير الذي قام به على امتداد سنوات طويلة، لا العكس. ينسحب هذا على كونه مديراً عاماً لهيئة الموسوعة العربية، وأستاذاً في كلية التربية بجامعة دمشق، ورئيساً للجنة التمكين للغة العربية، ونائباً لرئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، وعضو اتحاد مجامع اللغة العربية بالقاهرة، ورئيساً لتحرير مجلة التعريب الصادرة عن المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر التابع لمنظمة (الألكسو)، ورئيساً لتحرير مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، وكان سابقاً عميداً لكلية التربية بجامعة دمشق، ووزيراً للتربية ثم وزيراً للثقافة، إضافة إلى اعتماده كخبير في عدة مؤسسات علمية محلية وعربية. وقد انتخب عام 2013 رئيساً للمجلس العلمي لمكتب تنسيق التعريب في الرباط. وهذه المواقع السابقة جميعاً لا تمثل إلا بعضاً من السيرة الذاتية الثرية للدكتور محمود السيد، فإلى ما سبق هناك الكثير من المهام والمسؤوليات والإنجازات التي تحفل بها هذه السيرة، والتي يلتقي معظمها عند دوره الاستثنائي في الدفاع عن اللغة العربية من خلال البحوث والدراسات والمؤلفات التي تضيء غناها وجمالها وحيويتها، كما تضيء على أعلامها المعاصرين وأعمالهم في ما يزيد على خمسين مؤلفاً منشوراً في مجالات التربية والثقافة واللغة، وما يزيد على مئة بحث نُشرت في المجلات المتخصصة.‏

قد تكون التعبيرية أقرب وصف لتجربة أسماء فيومي التي لم تفقد يوماً أصولها الواقعية، مهما بدت هذه الأصول مرمزة،‏

أو مخبأة في ثنايا الخطوط الصريحة أو الألوان المتضادة التي تصنع خصوصية اللوحة، وتمنح صاحبتها صفة الملونة باقتدار، وبصرف النظر عن عدد الألوان المستخدمة، فالألوان في لوحة أسماء تمتلك حيوية مدهشة حتى لو بدت شحيحة في مكان ما، ذلك أنها تمتلك حضوراً قوياً و قدرة تعبيرية فائقة في التعبير عن مناخ لوني محلي تؤكده معظم أعمالها، ويعزز هذه الخصوصية المحلية المواضيع التي تتناولها، وهي مواضيع يرتبط الكثير منها بفلسطين، مسجِلة بلغة فنية تعبيرية سامية أثار القضية المحورية على حياتنا، غير أن ذلك الحضور القوي، لفلسطين ومآسيها وآلامها، لم يحل دون فسحة تفاؤل واسعة عبرَت عنها تلك الألوان المبتهجة المتناغمة في عدد غير قليل من لوحاتها، كما عبرَت عنها عيون الأطفال الواسعة ووجوههم البريئة التي تطل من اللوحة فتظل برفقة المشاهد حتى بعد مغادرته اللوحة، تستعيدها الذاكرة كلما ورد اسم الفنانة. وبعد عقود طويلة من البحث التشكيلي الجاد، والكثير الكثير من المعارض الفردية والجماعية، تشغل أسماء فيومي مكاناً متميزاً في المشهد التشكيلي السوري كرمز من رموز هذا المشهد الذي لا يكتمل الحديث عنه إن أغفل اسمها منه .‏

منذ ستينات القرن الماضي يمتلك نزيه أبو عفش واحدة من أهم التجارب الشعرية في العربية، تبرع في تقديم حالات إنسانية يتجاور فيها السخط مع التأمل، وهذا ما يبدو جلياً في نصوصه النثرية كما في كتاباته الشعرية التي امتلكت على الدوام، إضافة إلى حسها الإبداعي المرهف، رؤية مستقبلية، جسّدت مخاوفه وهواجسه، و رغم أن نزيه لم يقبل يوماً فكرة التنبؤ لأنها لا تلتقي مع قناعاته، فإن الشاعر الحالم فيه لم يتعارض يوماً مع المتأمل الذي يعيش زمانه ومكانه بكل التفاصيل، وربما يكون هذا أحد أسباب تألقه كشاعر وكاتب ومفكر ومثقف وفنان وإنسان. ونصوصه الأدبية هي في واقع الحال ترجمة إبداعية، أو صياغة فنية مبتكرة، لرؤى عقلانية تستند إلى قراءةٍ دقيقةٍ عميقةٍ لراهن الحال لتشرف على القادم، فيوم تناثرت الوعود الوردية في الفضاء كعاصفة رمال تحجب ملامح الأرض، ظل أميناً لبصيرته فلم يرَ في نذر الربيع القادم نسمات حياة، وإنما عواصف تقتلع كل جميل تبقّى، فغرد خارج قطيع الناعقين فلم يخذل الثقافة ولم يخن الانتماء.‏

أستاذنا السيد..فنانتنا أسماء ...شاعرنا النزيه ..شكراً لما قدمتم..‏

شكراً لوجودكم بيننا..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية