تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


البنفسج الحزين

ملحق ثقافي
6 / 4 / 2010
كوثر رستم الكيالي: قصة ذكرى آلمتني.. لم تكن قصة، بل مشاعر عشتها وآلام لست أنسى مرارتها،

بدأت الحكاية في شتاء باريس عام 1980وانتهت مع ربيع سوريا عام 1980. كان لقاؤنا في الفندق الياباني مع أصدقاء سوريين مقيمين في باريس.‏

الشاعر خالد وزوجته ليلى، و كان برفقتهم عادل ومنى أخوي ليلى، و عروسان في شهر العسل، وسهرنا في هذا الفندق الذي يشبه القصر،و المبني على ضفة نهر السين. تحيط به حدائق وأغصان تشع بالأنوار. شعرت تلك الليلة أنني في اليابان، الموسيقا هادئة وتزيينات شجرة الميلاد رائعة، وكانت صور الفنانات اليابانيات قد ملأت الفندق.‏‏

‏‏

دارت أحاديثنا كقصائد منثورة من حلاوتها...‏‏

كتبنا صفحاتها للذكرى التي لم تكتبها الأقلام.‏‏

سهرنا حتى الصباح ثم غادرنا الفندق ونحن نغني «سوريا يا حبيبتي».‏‏

انحنت اليابانيات في وداعنا... أخذنا نطوف شوارع باريس مع الشروق... كانت دموع المطر على وجه الأزهار... المدينة متألقة.. أشجارها عرايس... ملابسها بيضاء... تشع روعة من ساحة الكونكورد على طول الشانزليزي حتى قوس النصر... كانوا يستعدون للعام الجديد.‏‏

اشتركت بالاحتفال وفود من جميع البلدان كأنه موكب «نابليون» يمر بعظمته.. تابعنا عند المساء زيارة الأحياء القديمة والمقاهي الوجودية في حي سان جرمان، و هناك وجدنا حياة الفنانين البوهيميين. لا زال الحي اللاتيني حضن باريس كما كان أيام فوليتر وروسو... لقد وجدنا فيه المتناقضات تشكل عالماً بأسره، سمعنا في زيارتنا قصصاً بصمت المكان، وجدنا رجالاً سكارى.. ونساء حيارى بين الليل والنهار، لم نستغرب هذه الأشكال، لأننا بدأنا نشاهد بعض النساء العربيات في أزياء تخالف عاداتنا الشرقية...‏‏

غادرنا باريس باتجاه دمشق...‏‏

حلقت الطائرة فوق المدينة مع الغروب... ورأيت الشمس تهرب من الطائرة وبقي الشفق الأحمر يعانق الدنيا... قضينا ليلة في تونس بطريق العودة مع شركة الطيران التونسية.أصبحت الألوان في الصباح كأنها مزارع برتقال.‏‏

حصدت الطائرة بسرعتها الأغصان حتى وصلنا دمشق.‏‏

دارت عجلة الزمن... اجتمعنا من جديد مع عادل ومنى في نصف شهر نيسان.‏‏

كان اللقاء في بلودان... فالذكريات في ضوء القمر جعلتنا نسرح بعيداً مع عبد الحليم حافظ في أغنية... أهواك... كان القمر يطل ويختبئ خلف الغيوم. إلى أن اختفى فجأة !!‏‏

لماذا يختفي القمر ليلة النصف !!!‏‏

قال عادل : يستحي القمر من الجمال الذي يحيط به. فتشتد العلاقة بينه وبين حقل المغناطيسية الأرضية والدورة القمرية كما أنه يلعب دوراً هاماً في حياتنا البشرية، يتدخل حتى في كمية دمائنا تزيد أو تنقص بالتناسب مع كمية نوره...‏‏

قلت لن تبدل الدراسات مهما فعلت، الشكل الجمالي للقمر... فهو الملهم وهو النور لظلمة القلوب العاشقة...‏‏

مضى الوقت سريعاً بين بلودان ودمشق... كانت أغنية أهواك سبب التأملات...‏‏

قلت : تستحق بلودان زيارة طويلة فهي المصيف والمكان الراقي والجمال النائم في أحضان الطبيعة.‏‏

مضت أيام الربيع بنشاط ومشاوير مع الأولاد في الحديقة المجاورة للمنزل أو إلى الغوطة مع الجيران، إلى أن تبدلت الأحوال وانهمرت الأمطار وأصبح الوقت حائراً بين الربيع والشتاء !!‏‏

فجأة قصفت رياح قوية نافذة غرفتي.. وقعت الأسطوانة على الأرض...انكسرت «أهواك» كأن يداً حجبت النور عن غرفتي، سمعت في هذه اللحظة الهاتف يرن... قال زوجي : كتبت جريدة الصباح عن الحادث. قلت أية حادث ؟ قال: حدثت الليلة الماضية مصيبة.. لقد توفيت و عادل في المستشفى. لن أصدق... كيف نقف أمام الفاجعة ؟‏‏

هل نبكي... أم نصرخ... ؟‏‏

حادث تنحني له الرقاب وتجف له المدامع. تاهت كلماتي أمام منظر والدة و لم أجد لغة تعبر عن مشاركتي لها هذا الألم.‏‏

قال عادل: تقرر موعد السفر بلحظات و قبل أن نغادر المنزل تناولت من المزهرية زهرة بنفسج و تركت الباقي وهي تقول: تعطر المنزل حتى أعود.‏‏

سافرنا باكراً... كنا سعداء بهذه الرحلة. وقف عادل عن الكلام يمسح دموعه.‏‏

قال : تحطمت واجهة السيارة... كنا معاً نشكر المولى على أننا بخير. تناولت يديها وقبلتها، فسقطت الزهرة على الأرض.‏‏

كاتبة سورية مغتربة‏‏

تعليقات الزوار

قارئ |    | 07/04/2010 23:29

نص جميل وشيّق

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية