فأن تقوم الجامعة العربية بالرد على الانتهاكات الوحشية الإسرائيلية التي لم تتوقف يوماً بالموافقة على استئناف المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل، فذلك تغطية كاملة على الأفعال الإجرامية التي يقوم بها العدو الصهيوني منذ أكثر من نصف قرن من الزمن ضد العرب ، وإضفاء للشرعية على هذه التصرفات العنصرية.
إن هذا القرار العربي الذي رفضته سورية ودولة قطر شكل من جهة صدمة للشعوب العربية التي كانت تنتظر رداً عربياً رسمياً صارماً وحاسماً على تلك الأعمال الإرهابية الإسرائيلية ، وشكل من جهة أخرى مكافأة للكيان الصهيوني على ممارساته الدموية لم يكن يحلم بها أو يتوقعها في هذا التوقيت الذي شوهت فيه الصورة الإسرائيلية في العالم عقب حربه الأخيرة على غزة وصدور تقرير غولدستون الذي فضح الجرائم الإسرائيلية وبعيد جريمة اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دولة الإمارات العربية المتحدة التي استخدم فيها الموساد جوازات سفر دول أوروبية.
القرار العربي باستئناف مفاوضات السلام غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي تزامنا مع اقتحام وحصار المسجد الأقصى واستمرار الحفريات الخطيرة تحته التي تهدد بسقوطه في أي لحظة واستمرار بناء الاحتلال لمئات المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية وقرار إسرائيل ضم أسوار القدس والحرم الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال بن رباح إلى التراث اليهودي غير الموجود إلا في العقل الصهيوني، وكذلك انهيارات حي سلوان الأخيرة بجانب الأقصى، إضافة إلى حصار غزة الجريمة الأبرز والأبشع في هذا العصر.. ذلك كله يطرح تساؤلات كثيرة في الشارع العربي أهمها ، ما الهدف من هذا القرار بعد كل هذا الإجرام الصهيوني ؟ إذا كان الهدف هو حشر إسرائيل في الزاوية، فحتما هذا مستحيل وجولات مبعوث الإدارة الأمريكية للسلام جورج ميتشل التسع إلى المنطقة وقبلها مبادرة السلام العربية وعشرات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تثبت وبما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل غير جادة في عملية السلام حتى لو بلغ عدد جولات ميتشل المليون، وانتهاكات إسرائيل وأفعالها الوحشية دليلنا في التوصل لهذه النتيجة.
وإذا كانت الغاية من هذا القرار العربي هي الانصياع للضغوطات الأمريكية التي جاءت مسرعة لشد انتباه العالم بعيداً عن الإجرام الإسرائيلي الذي بدا واضحاً مؤخراً عقب اغتيال المبحوح بأختام أوروبية، فذلك خطأ مقصود وغير محسوب لأنه كان من الأجدر استغلال الفرصة والطلب من الإدارة الأمريكية التي وعدت بإحلال السلام في المنطقة القيام بالضغط على إسرائيل كي توقف احتلالها للأرض وانتهاكها لحق الإنسان الفلسطيني والعربي في الحياة والوجود حتى تعود إلى جادة الصواب وتمد يدها للسلام .
إن مواجهة هذا النهج الإجرامي الإسرائيلي لا يكون بالدعوة إلى استمرار المفاوضات السلمية فقط، وإنما يتطلب موقفاً عربياً واحداً وحازماً يستخدم فيه العرب كافة الأوراق التي يملكونها لدفع المجتمع الدولي، وخاصة الدول التي تدعي رعاية السلام لإلزام إسرائيل بالانصياع إلى متطلبات وشروط السلام ووقف كافة أعمالها الاحتلالية في الأرض الفلسطينية.
إن استئناف مفاوضات السلام مع العدو الإسرائيلي دون أي ضمانات حقيقية ليست إلا استمراراً لسياسة الأوهام العربية من جهة، واستمراراً لسياسة الإجرام الإسرائيلية من جهة أخرى كونها تشكل طوقا للنجاة لحكومة نتنياهو المأزومة التي سارعت على الفور الترحيب بهذا القرار العربي.. باختصار هي مكافأة للمجرم على جرائمه وغطاء جديد له.