تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


زيارة بايدن.. المعادلة الصعبة

شؤون سياسية
الأحد 14-3-2010م
د. جهاد طاهر بكفلوني

الطفلة المدللة للولايات المتحدة الأمريكية تشعر بشيء من الغضب المكتوب بعد أن ارتفعت درجة الإهمال المتعمد الذي تعامل به، الأمر الذي دفع (واشنطن) إلى إرسال مسؤول رفيع المستوى

هو نائب الرئيس ( جو بايدن) لاحتواء الغضب الإسرائيلي، وإزالة ما يمكن النظر إليه كجفوة في العلاقات الحميمية جداً بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي .‏

أما المواضيع المدرجة على طاولة البحث معروفة للقاصي والداني ، فهي التالية وفقاً لتسلسل أهميتها في منظور الجانبين الأمريكي والإسرائيلي :‏

- التفاهم حول ملف أزمة البرنامج النووي الإيراني.‏

- التفاهم حول ملف مفاوضات عملية سلام الشرق الأوسط.‏

- التفاهم حول ملف الوساطة التركية في المفاوضات مع سورية.‏

في الملف الأول تبدو ( إسرائيل) متحرقة للوصول إلى جواب حاسم يخرجها من حالة القلق التي تعيش فيها، وهي تقلب موضوع الملف النووي الإيراني على وجوهه دون امتلاك القدرة على اتخاذ القرار الحاسم، ولقد حاولت مراراً وتكراراً إقناع ( واشنطن) بتوجيه ضربة عسكرية خاطفة مسددة إلى إيران فاصطدمت بالرفض الأمريكي المطلق، لأن الإدارة الأمريكية ليست مستعدة للإبحار إلى المجهول كرمى لعيني (إسرائيل) السوداوين أو الزرقاوين، وعندما تيقنت (إسرائيل) من عجزها توريط ( واشنطن) في مثل هذا المأزق، اتجه تفكيرها العدواني للحصول على تفويض أمريكي لتكليفها بتنفيذ هذه الضربة، فاصطدمت بجدار رفض جديد لا يقل ثخانة عن الجدار السابق، ولقد سمع رئيس أركان الكيان الإرهابي ( غابي اشكنازي) خلال زيارته إلى (واشنطن) تنبيهاً شديد اللهجة من خطورة القيام بمثل هذه الخطوة الحمقاء التي ستكلف كلاً من (واشنطن) و (تل أبيب) ثمناً باهظاً تبدو الإدارة الأمريكية عاجزة عن تحمل أعبائه حاضراً ومستقبلاً.‏

ولم يشك المراقبون أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود حملة لتحذير المسؤولين الإسرائيليين من خطورة مهاجمة إيران وقد كلف (بايدن) بنقل هذه التحذير إلى قادة الكيان الإرهابي.‏

الملف الثاني سيتم تناوله من قبل الجانب الأمريكي بشيء من ضيق الصدر والحرج ولا مكان للعتاب هنا، لأن الإدارة الأمريكية باتت محرجة من استخفاف الجانب الإسرائيلي بها، هذا الاستخفاف المتمثل بالكذب المستمر عليها في مواضيع جوهرية مثل موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإيقاف مسلسل تهويد القدس والكف عن بناء المزيد من الكتل الاستيطانية، فالكيان الإرهابي يماطل في موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهو مستعد للمماطلة فيه إلى أجل غير مسمى ،ويعمل جاهداً على تغيير معالم القدس وطبعها بالطابع اليهودي، وما جرى في موضوع اعتبار بعض الأماكن الدينية جزءاً من التراث اليهودي يشكل دليلاً حياً على استمرار (إسرائيل) في تهويد القدس وربما فلسطين العربية كلها!‏

أما الملف الثالث المتعلق بالدور التركي في المفاوضات غير المباشرة بين سورية و(إسرائيل) فتبدو الحيرة الأمريكية في تحريكه واضحة للعيان، فالكيان الصهيوني يعلم أن سورية لن تتخلى عن ثوابت العملية السلمية، ولن تتنازل عن شبر واحد من الأرض العربية المحتلة ويتساوى لديها في ذلك الجولان مع جنوب لبنان مع كل شبر فلسطيني محتل، وهي ليست في عجلة من أمرها لأنها صاحبة حق تاريخي لن تفرط به والزمن يجري لصالحها، بعكس الزمن الذي يقلق الكيان الصهيوني ويشعر فيه بتراجع العطف الدولي الذي حظي به يوماً ما ولن يعود ذلك اليوم، ولا تستطيع (واشنطن) فعل شيء أمام هذه الحقائق .‏

إن تحليل محتويات الملفات الثلاثة هو الذي دفع المراقبين إلى الاعتقاد أن الهدف من زيارة (بايدن) في هذا الوقت هو رغبة الإدارة الأمريكية في اعتماد سياسة جديدة قديمة في آن معاً مع (إسرائيل) هي سياسة خيار الدبلوماسية الوقائية، وذلك لأن شهر آب من عام 2010 القادم سوف يشهد بدء عمليات سحب القوات الأمريكية من العراق، وتخشى (واشنطن) قيام (إسرائيل) بتحرك أحمق خلال هذه الفترة الحساسة، وتريد منها الالتزام بالهدوء التام، وعدم تصعيد التوترات الأمنية والعسكرية لأن مثل هذا التصعيد قد يلحق ضرراً فادحاً بملفات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط وينجم عنه خلط الأوراق خلطاً يربك الإدارة الأمريكية إرباكاً كبيراً.‏

وسيحاول (بايدن) بعد ترك (إسرائيل) متجهاً إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة الحصول على اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الإسرائيلية، واعترافهم بالقدس الكاملة كعاصمة أبدية لإسرائيل، وقبولهم بمبدأ توطين الفلسطينيين المقيمين بالخارج في الخارج ، لكنه لن يحصل على شيء من ذلك، لأن الحقوق التاريخية التي يملكها الشعب الفلسطيني حق العودة ورفض التوطين وعروبة القدس ، حقوق لا يستطيع أحد التحدث بها نيابة عن الشعب العربي الفلسطيني .‏

سيعود( بايدن) كما أتى بيدين فارغتين ما خلا سلال عتاب ولو تم تحضيرها سلفاً من قبل قادة الكيان الصهيوني، الذين يريدون من الإدارة الأمريكية كل شيء، في الوقت الذي لا يريدون فيه إعطاءها شيئاً وهي معادلة صعبة يعجز (بايدن) بل حتى الرئيس الأمريكي ( باراك أوباما) عن حلها، وستبقى بلا حل أمداً طويلاً من الزمن.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية