قراراً بضم الحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح إلى ما يسمى قائمة الآثار اليهودية في تزوير فاضح للتاريخ، وإيهام الآخرين بأن لهم جذوراً دينية وتاريخية في البلاد التي اغتصبوها وشردوا سكانها الأصليين.
ويندرج هذا القرار ضمن مسلسل التهويد الذي لا يتوقف منذ إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، حيث جرت مئات المحاولات لتغيير الطابع الديمغرافي والتراثي في الأرض التي احتلوها بمساعدة الاستعمار الغربي.
العدوان الإسرائيلي لم يقتصر على المقدسات الإسلامية بل طال وسيطول المقدسات المسيحية في مناطق متفرقة من فلسطين المحتلة.
وفي هذا الإطار كشفت الهيئة الإسلامية-المسيحية لنصرة القدس والمقدسات عن قائمة تضم ما يقرب من (150) موقعاً أثرياً وتاريخياً ودينياً فلسطينياً أعدتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتسجيلها على أنها معالم إسرائيلية في قائمة التراث العالمي.
وطالبت الهيئة المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المعنية بالتراث الإنساني بالتدخل العاجل لوضع حد لهذا التزوير الإسرائيلي الخطير للتاريخ والدين والحضارة واستناداً إلى الأمين العام للهيئة الدكتور حسن خاطر فإن القائمة تكاد تستحوذ على معظم معالم ورموز الأرض المقدسة، فبالإضافة إلى المسجد الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم فإنها تضم أيضاً أسوار البلدة القديمة في مدينة القدس إلى بلدة سلوان جنوب الأقصى والتي يطلقون عليها اسم «عير دافيد» وكذلك تلال القدس.
وأشار خاطر إلى أن القائمة تضم أيضاً الجبال التي تقوم عليها مدينة نابلس «جبل جرزيم» و «جبل عيبال» إلى أشهر سهول فلسطين وهو مرج بن عامر الذي يمتد على شكل مثلث بين حيفا وجنين وطبريا، كما تضم القائمة كنائس ومعالم مسيحية أثرية عريقة أهمها كنيسة «أم العمد» وهي بقايا كنيسة أو دير بيزنطي قديم يرتفع 500 متر عن سطح البحر وتقع في صحراء البحر الميت، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى كثرة الأعمدة إلى ما يسمونه «حديقة برعام» التي تقوم على أنقاض قرية فلسطينية اسمها «كفر برعم» وسكانها من المسيحيين الموارنة الذين هجروا عام 1948.
وتتضمن القائمة كذلك مدناً فلسطينية عريقة كانت قائمة قبل نزول التوراة أبرزها مدينة عسقلان ومدينة بيسان ومدينة قيسارية على الساحل الفلسطيني إلى قلعة رأس العين بيافا وهي المعروفة بحصن الصادق، وقد حولته سلطات الاحتلال متنزهاً وطنياً.
وتشمل القائمة منطقة سوسيا جنوب بلدة يطا في الخليل حيث تضم أبنية وآثاراً كنعانية قديمة.
وكذلك مستوطنة كدوميم المقامة عام 1975 على أراضي بلدة كفر قدوم العربية وتل مجود الذي يسمونه «هارمجدون» وهو المكان الشهير المرتبط بنبوءات الكتب المقدسة والذي سيشهد حسم الصراع بين الخير والشر عن هذه الأرض.
لاشك أن قرار «إسرائيل» ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح والتخطيط لضم 150 موقعاً أثرياً فلسطينياً إسلامياً ومسيحياً على قائمة مواقعها الأثرية يمثل عدواناً على الطبيعة الإسلامية والمسيحية لهذه المواقع في أكبر عملية تزوير عرفها التاريخ الفلسطيني، لانتحال حق الملكية التاريخية للأرض المقدسة بما عليها من آثار وثقافة إنسانية يجسدها الشعب الفلسطيني باعتراف أسفار العهد القديم نفسها والتي أوردت أن الشعب الفلسطيني كان موجوداً في الأرض تحت اسم «الفلستينيين» بجوار الكنعانيين والمؤابيين والعمونيين وغيرهم عند دخول العبريين إليها مع يشوع بن نون وأنه بقي راسخاً في الأرض على مدى أكثر من 3500 سنة وليس من حق شذاذ الآفاق الصهاينة المستقدمين من شتى أصقاع الأرض أي موقع أو أثر في أرض فلسطين، وهو ما أكده المؤرخ الإسرائيلي «شلوموساند» في كتابه الحديث «اختراع الشعب اليهودي» والذي أثبت فيه ومن خلال البحث التاريخي ونتائج الحفريات الأثرية أن مفهوم الشعب اليهودي هو مجرد اختراع قامت به الصهيونية لتبرر الاستيلاء على أرض شعب آخر.
لقد أثبت «ساند» وبالدليل أن يهود أوروبا لا صلة لهم بالشعوب السامية وأنهم نتاج عملية تبشير بالدين اليهودي حيث اعتنقت مملكة الخزر بين القرنين الثامن والثاني عشر الميلاديين الديانة اليهودية وبعد انهيارها في حرب ضروس تشتت سكانها في شرق أوروبا.
وعلى هذا حسب «ساند» فإن اليهود الأوروبيين الذين أنشؤوا الحركة الصهيونية وفكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين وهاجروا إليها هم مجرد غزاة لا صلة لهم بتاريخ الأرض.
وبناءً على ما تقدم يخطئ كل من يعتقد أن القرار بضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى قائمة التراث اليهودي وما يستتبعه من قرارات أخرى تستهدف جميع المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين المحتلة ذو دلالة دينية فحسب، ذلك أن هذين الموقعين والمواقع الأخرى المرشحة للضم معظمها في الضفة الغربية والقدس المحتلتين ما يعني أن إسرائيل ليس في نيتها التخلي عن شبر واحد من الأراضي المحتلة عام 1967 وأن هدفها تنفيذ أكبر قدر ممكن من التهويد دعماً ليهودية الدولة في ظل غياب رد الفعل العربي والإسلامي والعالمي المؤثر، وهو ما يساعد الصهاينة على الاستمرار في مخططاتهم لتهويد القدس وتغيير معالمها العربية وسرقة هويتها وطمس معالمها وانتهاك حرماتها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية على السواء.