وضمت إحدى هذه الشبكات 962 عضواً بينهم 30 جنرالاً و 8 أدميرالات و 43 عضواً في البرلمان و3 وزراء في الحكومة، إضافة إلى ممثلين عن كبار رجالات الكنيسة والصناعة والبنوك الخاصة وهكذا كان بوسع اليمين الفاشي الجديد أن يضمن إلى حد ما تعاون أجهزة الدولة التي أراد تشويش عملها.
ولم تكن إيطاليا البلد الوحيد في أوروبا الذي عمل فيها اليمين المتطرف مع أجهزة الدولة لتشويش أو تخريب أعمال الحكومة.
ففي الستينيات تمرد ضباط ومستوطنون في الجزائر على قرار الرئيس ديغول الخاص بالجزائر وأعلنت المنظمة العسكرية السرية التمرد، بينما واصلت لجنة الدفاع عن الجزائر الفرنسية التي أقيمت في النصف الثاني من الخمسينيات عملها كمجموعة ضغط ضد كل تنازل من باريس للحركة الوطنية الجزائرية.
وسواء في إيطاليا أم في فرنسا حانت في مرحلة ما لحظة الحقيقة التي كانت فيها الحكومة ملزمة بأن تصطدم مع نفسها، الحالة الفرنسية أخطر لأن المواجهة الداخلية مع المتمردين من رجال المؤسسة دارت بالتوازي مع صراع خارجي خاضته فرنسا مع الحركة الوطنية الجزائرية، وكان هذا صراعاً عنيفاً أحياناً أو سياسياً في إطار المفاوضات.
وفي إيطاليا كان الصراع داخلياً فقط لكن إلى جانب اليمين المتطرف عملت ضد الدولة منظمات يسارية متطرفة والمافيا.
هاتان الحالتان لهما صلة بإسرائيل، لدينا حكومة اليمين تتمتع بتأييد شرعي من أغلبية المقترعين وحتى لو لم يكن كل الناطقين باسمها يعترضون بشدة على نشاط اليمين المتطرف فإنهم لا يوافقون عليها علناً على الأقل ولكن مع ذلك لا يمكن التهرب من السؤال: متى تأتي المواجهة الداخلية الكبرى مع المتطرفين؟ لقد شهدنا قبل أيام مواجهة صغرى مع حاخام مدرسة التسوية في هار براخا إلي عايزر ميلاميد حيث تخاذلت وتخبطت أجهزة الحكومة في صورة يمكن تخيلها لو كانت على نطاق أوسع، ومن وحي المواجهة الكبرى يمكن الرجوع إلى الجدال والصدامات المخففة التي رافقت عمليات فك الارتباط عن قطاع غزة والمواجهات خلال إخلاء البؤر الاستيطانية وفرض التجميد المؤقت على استمرار البناء في قسم من المستوطنات وفي بيت يونتان في سلوان.
إن التعاون بين الأجهزة الأمنية والمدنية للدولة وبين منظمات المستوطنين موثق في الكتب وفي تقارير المنظمات المتابعة وفي التقارير الصحفية ماذا سيحصل إذا ما قررت الحكومة في يوم ما بدعم من الأغلبية في إسرائيل الانسحاب من الضفة ومن القدس الشرقية؟
السؤال ليس إذا كان تفكيك المستوطنات ممكناً في ضوء انتشارها على الأرض بل إذا كان تفكيك وإعادة تركيب بعض الأجهزة ممكناً من السهل الادعاء أن الأمر لن يحصل بسبب تداخل أجهزة الدولة بالمستوطنين ومصالحهم المتطابقة، ولكن الأمثلة أعلاه تدل على أنه لا يمكن استبعاد السيناريو في أنه في يوم ما سيكون المجتمع الإسرائيلي ملزماً بالتصدي للمشكلة بكامل حدتها كل يوم يمر دون الإجابة عن هذه الأسئلة يصعب الإجابة النهائية لأن هذه قضايا لا يفيد تركها للزمن حتى لو كانت مصالح البعض في الحكومة أو الحكومة نفسها تتناغم مع أجندات تلك المجموعات المتطرفة فيما يخص فرض وقائع جديدة أمام الجانب الفلسطيني.
إن الاستسلام لمعطيات السياسة اليومية وتقديم اعتباراتها ينبغي ألا يغري الحكومة، أي حكومة مهما كانت متعاطفة ضمناً مع تلك المجموعات المتطرفة في مواصلة هذا النهج لأنه يخدم وقتياً أجندتها السياسية، لأن اللحظة التي ستكون مجبرة فيها على التصادم مع هذه المجموعات ستكون مكلفة أكثر كلما تأخر الوقت لضبطها قبل أن تصير بالفعل جزءاً متماهياً مع الحكومة وقادرة على شق هذه الحكومة وشق المجتمع برمته.
ولا ينبغي التهرب من السؤال سواء من أجل تأجيل أم منع المواجهة الداخلية الكبرى فيما إذا كان أصحاب القرار يبالغون عن قصد تصوير التهديدات الخارجية لإيران وحزب الله وسورية، بينما يتجاهلون المخاطر الحقيقية الماثلة أمام عيوننا ولا ننسى أن هؤلاء المتطرفين لا يمركزون نشاطهم في قضايا السياسة الخارجية الخاصة بالاستيطان والصراع مع الفلسطينيين بل هم موجودون في كل مناحي حياتنا ويتنفسون في وجوهنا صباح مساء.
بقلم: مناحيم كلاين