عندما قررت تهويد الحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال في بيت لحم واقتحمت باحات المسجد الأقصى إمعاناً في سياسات البطش والقمع، تعلن الحكومة نفسها عن بناء 112 وحدة سكنية و 1600 وحدة أخرى استقبالاً لزيارة بايدن نائب الرئيس الأميركي، ونقلت هآرتس عن نتنياهو قوله عشية وصل المبعوث الأميركي للمنطقة: «إن حكومته تنطلق من المصالح الأمنية الإسرائيلية في كل سياساتها، وإن أمن إسرائيل أهم من التسوية مع الفلسطينيين» وأضافت الصحيفة أن ميتشل وصل إلى إسرائيل لإدارة محادثات أخيرة قبل الإعلان عن استئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. المحادثات غير المباشرة أو «محادثات التقارب» كما تسميها الإدارة الأميركية، ستستمر نحو أربعة اشهر وتتم من خلال حملات مكوكية للمبعوث ميتشل بين رام الله والقدس أو في محادثات تجرى في واشنطن أو في أوروبا،
تهدئة الأوضاع في المنطقة
وكان ميتشل قد التقى فور وصوله نتنياهو ومن بعده ايهود باراك. و رئيس السلطة محمود عباس في محاولة للإعلان فور ذلك عن استئناف المفاوضات. وذكرت معاريف أن السلطة الفلسطينية ستطلب تقييد المحادثات غير المباشرة بفترة أربعة أشهر بعدها تتم الموافقة على المفاوضات المباشرة اذا ما جمدت إسرائيل تماماً البناء في المستوطنات وفي شرقي القدس.
ونقلت هآرتس عن موظف كبير في الإدارة الأميركية قوله: «ان المقرر هو أن المفاوضات ستستأنف في غضون أيام. وقال الموظف الأميركي الكبير: «نحن نأمل في أن نتمكن في الأيام القريبة القادمة من استئناف المفاوضات. ميتشل سيكون في البلاد حتى يوم الاثنين او الثلاثاء. والهدف هو أن يتمكن من الإعلان عن المفاوضات في نهاية الزيارة. وحسب الموظف الكبير، فإن الإدارة لم تنقل رسائل ضمانات إلى إسرائيل أو إلى السلطة الفلسطينية. ولكنها أوضحت للطرفين بأن المبعوث ميتشل سيؤدي دوراً نشطاً للغاية في المحادثات. وقال الموظف الأميركي: «قلنا للطرفين إن هدفنا هو الوصول إلى دولتين للشعبين من خلال المفاوضات. إذا وقعت عراقيل سنحاول المساعدة للتغلب عليها وطرح أفكار من جانبنا وإذا ظننا أن أحد الطرفين لا يطبق التزاماته فإننا سنقول ذلك».
ويقدر مراسل القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي في واشنطن، جيل تماري، أن زيارة كل من ميتشل وبايدن للمنطقة مرتبطة أولاً وأخيراً، بمجمل القضايا التي تهم السياسات الأميركية سواء في العراق أم أفعانستان، وأن الإدارة الأميركية معنية بالإعلان عن استئناف المفاوضات حتى قبل وصول بايدن كي لا تعنى زيارته لجسر الخلافات بين الطرفين بل بمسائل أخرى، كالعلاقات الثنائية مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية والتهديد الإيراني. بالنسبة للمسيرة السلمية، سيعرض بايدن رؤية الإدارة ولن يعنى بالمسائل التفصيلية.بمعنى أن رغبة الإدارة الأميركية بتهدئة الأوضاع في المنطقة ولو لمدة أربعة أشهر حتى تتضح الأمور في كل من العراق بعد الانتخابات وفي أفعانستان ومصير الاستراتيجية العسكرية الجديدة للإدارة الأميركية في صراعها مع طالبان، ويذهب بعض المحللين الإسرائيليين إلى أبعد من ذلك، بتقديرهم أن هذه الجولة للمسؤولين الأميركين مرتبطة بما تبيته الولايات المتحدة وإسرائيل لإيران وسورية وحزب الله وحماس في الصيف المقبل.
تحذير إسرائيل من العواقب الوخيمة
وما يجدر التذكير به أن زيارة بايدن أخذت حيزاً كبيراً في تحليلات الصحف الإسرائيلية، وقدرت معظم هذه التحليلات أن هدف الزيارة هو تحذير إسرائيل من العواقب الإقليمية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، إلى جانب إعلانه استئناف المفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن بايدن سينقل للقيادة السياسية في إسرائيل رسالة واضحة لا تقبل التأويل، وهي أن «لا ضوء أخضر» لعملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران، وضرورة التروي بانتظار نجاح الجهود الدبلوماسية لفرض عقوبات على طهران. وحسب الصحيفة فإن بايدن سيوضح أمام محاوريه الإسرائيليين أن لإسرائيل «الحق الكامل بالدفاع عن مصالحها الوجودية لكن عليها مراعاة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط»، ولفتت الصحيفة إلى أنّ الولايات المتحدة تعتزم سحب قواتها العسكرية من العراق خلال العام الحالي. وأضافت الصحيفة أن بايدن «سيدشن» المفاوضات غير المباشرة بين السلطة وإسرائيل وسيحاول إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باستئناف المفاوضات مع سورية.وذكرت الصحيفة أن زيارة بايدن لإسرائيل هي الثالثة لشخصيات أميركية رفيعة المستوى خلال أقل من شهر، وقالت إن هدف الزيارات هو توطيد التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل في ما يخص الملف الإيراني.
من جهتها أفادت هآرتس أن «المهمة المركزية لبايدن هي ضبط إسرائيل في الموضوع الإيراني،وبحسب عاموس هرئيل، المحلل العسكري في الصحيفة إن القطار الجوي لشخصيات أميركية رفيعة إلى إسرائيل ستصل غداً ذروتها... وفي ظل استئناف عملية السلام مع الفلسطينيين، ستكون لبايدن مهمة رئيسية هي طمأنة القيادة الإسرائيلية، والتأكد من أنها لن تشوش على جهود الإدارة لبلورة جبهة دولية لفرض عقوبات على إيران، من خلال ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية. ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى قولها: إن القلق الأميركي من عملية إسرائيلية إلى جانب الفتور الواضح في علاقة أوباما بنتنياهو تسببت بتوطيد العلاقات الأمنية بين الدولتين، والتي تستثمر فيها الولايات المتحدة جهدها الأساسي، وأضافت إن الولايات المتحدة تعمل مقابل القيادة الأمنية في إسرائيل لإقناعها أن واشنطن ملزمة بفرض العقوبات. وقالت «هآرتس»: إن العلاقات الأمنية في الفترة الأخيرة آخذة بالتطور، إذ قامت 3 وفود أمنية أميركية بزيارات إلى إسرائيل.
تقرير داخلي سري
ورغم إيحاءات الصحف الإسرائيلية بوجود خلاف بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو بشأن التعاطي مع الملف النووي الإيراني، فقد كشف باراك لبيد مراسل هآرتس عمّا أسماه تقرير لوزير الخارجية الإسرائيلي العنصري ليبرمان يقول فيه: «تقرير داخلي سري لوزارة الخارجية نقل إلى وزير الخارجية افيغدور ليبرمان وللممثليات الإسرائيلية في العالم يقضي بأنه رغم الاستئناف المتوقع للمفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ هذا الأسبوع، فإن الإدارة الأميركية من غير المتوقع أن تكرس اهتماماً كبيراً في السنة القريبة القادمة للمسيرة السلمية وستفضل الاستعداد لانتخابات الكونغرس. كما يقضي التقرير بأنه في الاتصالات لاستئناف المحادثات غير المباشرة تبنت الإدارة الأميركية مواقف أقرب من المطالب الفلسطينية بالنسبة لطريقة إدارة المفاوضات. ومع ذلك، عشية زيارة ميتشل وبايدن، نشرت دائرة المعلومات في وزارة الخارجية، مركز البحوث السياسي – وثيقة متشائمة للغاية بالنسبة لاحتمالات تقدم المسيرة السلمية. الوثيقة نقلت قبل بضعة أيام إلى وزير الخارجية ليبرمان والممثليات الإسرائيلية في العالم.
وحسب الوثيقة، فإن الإدارة الأميركية على علم بالمسائل السياسية لرئيس الوزراء نتنياهو ولرئيس السلطة أبو مازن. وعليه، فقد قررت الاكتفاء في هذه المرحلة بتحريك المسيرة السياسية، وإن كان من خلال المحادثات غير المباشرة. وحسب الوثيقة، فإن اهتمام أوباما لن يكون منصباً في الفترة القريبة القادمة على تقدم المسيرة السلمية في الشرق الأوسط.
«بتقديرنا، من المتوقع للإدارة أن تركز في السنة القريبة القادمة على مسائل أمريكية ستحسم الانتخابات الوسطى للكونغرس كما ورد في الوثيقة. على هذه الخلفية وبسبب المصاعب حتى الآن في تحقيق إنجاز ذي مغزى في مسألة المسيرة السياسية، يمكن الافتراض بأن اهتمام الإدارة في هذا الموضوع سيكون محصوراً والانشغال سيبقى أساساً بيد فريق المبعوث ميتشل».
صيغة تنسجم مع المطالب الفلسطينية
وتشدد الوثيقة على أن الولايات المتحدة اقتربت من مواقف السلطة الفلسطينية بالذات. «التصريحات الأميركية الأخيرة تدل على تبني صيغ تنسجم وإن كان بشكل جزئي وحذر مع المطالب الفلسطينية في مجالات إطار ومبنى المفاوضات. الإدارة تحرص مع ذلك على الامتناع عن كل تعبير لموقف أمريكي في المسائل الجوهرية». وتقدر وزارة الخارجية بأن إدارة أوباما ستسوق استئناف المفاوضات غير المباشرة كإنجاز سواء للساحة الداخلية أم للأسرة الدولية، على أمل أن تنشأ أجواء تسمح بالانتقال إلى اتصالات مباشرة «ليس واضحاً اذا كان هذا الفهم يستبدل التطلع إلى حل النزاع بالاكتفاء بإدارة النزاع في ظل التقدم التدريجي فقط».
وحسب التقرير فإن سبب التغيير في مفهوم الإدارة من المسيرة السلمية هو التأييد الذي تحظى به إسرائيل من الحزبين. «الموضوع الإسرائيلي هو أحد المواضيع القليلة التي يوجد حولها إجماع بين المعسكرين. الإدارة ستفضل الامتناع عن اتخاذ مواقف تعبر عن خلاف مع إسرائيل تعرضت للانتقاد مع بدء الانشغال الأميركي بالمسيرة السلمية».
كما يتطرق التقرير إلى الموقف الفلسطيني فيقول: إن استعداد السلطة الفلسطينية لإجراء محادثات تقارب مع إسرائيل يعود إلى الرغبة في الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. الفلسطينيون معنيون بتقليص كل نوع من الاحتكاك مع الإدارة الأميركية. بالتوازي، يقدر الفلسطينيون أن في المرحلة الحالية يوجد دعم دولي لمواقفهم وسلوكهم مع التشديد على خطة فياض، بحيث أن المفاوضات غير المباشرة لن تعطي ثماراً ستسمح بمجال مناورة في اتجاه بناء المؤسسات، وذلك لخلق واقع يسمح باعتراف دولي بدولة فلسطينية في حدود 67 حتى دون تسوية مع إسرائيل.