تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


« نور العيون» ...حكاية الأبيض والأسود..فأين الرمادي؟!..

ثقافة
الأحد 14-3-2010م
لميس علي

كخطين متوازيين يمشي أحدهما بمحاذاة الآخر، لكن دون أن يتقاطعا أبداً، يبدو رسم ملامح شخصيتي (نور و رامي) في مسرحية (نور العيون) .. يقف كل منهما على طرف نقيض تماماً للآخر.. ومع هذا يتلازمان على اعتبار كونهما صديقين (ظاهرياً) بمختلف مراحل عمريهما.

تبنى عوالم الشخصيتين الأساسيتين في العمل، اختصاراً لمنطقي حياة، اختصاراً لعالمين كائنين عبر فكري الاثنين...‏‏

(رامي) يمثل بشكل أو بآخر شخصاً له منطقه الذرائعي الخاص .. قنّاص فرص.. (حربوق) .. ابن عصره.. (لعيّب) على الأصلي وفق مفردات هذا العصر، ولو أن الحكاية تعود للفترة الممتدة من عشرينيات إلى أواخر أربعينيات القرن المنصرم.‏‏

أما (نور) فهو على النقيض من شخصية (رامي) الذي يناديه (نور عيوني) وحقيقة هو ليس كذلك بمقدار ما هو مطية لمصالحه، هو وسيلة وأداة يستخدمه ويسخّره وفقاً لما تقتضي منفعته هازئاً من إنسانية (نور)، مستغلاً طيبته.‏‏

الحكاية برموزها، ليست جديدة، أو ليست مستهجنة، بل مدركة بدقة في وعي (المتلقي) هي ومع مضي فريق العمل بها إلى زمن سابق، إلا أنها تنفع لتكون حكاية كل زمان ومكان.. حكاية وجود محورين ضدين يحيا أحدهما ويعربش على وجود الآخر.. ناسفاً كينونة هذا الآخر، وأحقيته بنيل الأفضل..‏‏

ألا تمثل شخصية (رامي) رمزاً لفئات تقوم على اجترار خيرات البلد.. ومص دماء أبنائه الأصيلين هو مصاص دماء الزمن الماضي.. و(دراكولا) الحاضر... وكل هذا لا يغير من حقيقة كونه (علقة)، لكنها متورمة منفوخة بلبوس (آدمي).. الآدمية فيها لا تتعدى القشور.. وفقط...‏‏

سيراً مع تفاصيل القصة يصل (نور) حد الانفجار.. الجنون.. الاستلاب مادياً ومعنوياً... يطفح به الكيل.. من فاجعة كونه الأضعف، المضحوك عليه دائماً وأبداً، المغفل..‏‏

ولكن أليس في الأمر ملمح إلى نوع من سلبية (نور) في طيبته الزائدة.. وهنا تماماً تأخذ المسرحية اللونين (الأسود والأبيض) وتركّب اعتماداً عليهما ظلالاً للشخصيتين فلا تدرجات رمادية، أين ظلال الرمادي... ولماذا أغفلت وهي مدارج الألوان الأهم في التركيبة الإنسانية ولون الحياة الأكثر فاعلية وتواجداً؟‏‏

بالعودة إلى رمزية الشخصيتين..‏‏

يبدو ذلك مبرراً - درامياً - فهما كما ذكرنا، يمثلان محورين فكريين.. منهجين حياتيين.. وبناء كل منهما بهذا الشكل (المتطرف) أو المبالغ به في إكساء صفات فاقعة واضحة وجلية، ضروري في حدود توظيفه الدرامي..‏‏

(نور العيون) التي قدمت مؤخراً على مسرح القباني، اقتباس جوان جان عن نص للتركي خلدون الطامر، إخراج سهيل عقلة.. تتسع دلالة العنوان من كونه (نور) هو نور عيني صديقه (رامي) كما يدعي هذا الأخير ويدعوه.. إلى كونه وأمثاله هم فعلياً نور عيون البلد... بمعنى.. هم الفئة القلة القليلة التي تقوم على إخلاصها البلد وعلى نياتهم الطيبة، وبفضل جهودهم تبقى سائرة.‏‏

يأتي العمل المؤدى على الخشبة، بخلفية صوتية (تاريخية) تلخص أهم الوقائع في تاريخ البلاد، ابتداءً من معركة ميسلون عام 1920م مروراً بالثورة السورية الكبرى عام 1925م، إلى نكسة عام 1948م.‏‏

وفيها تمرر هذه المحطات الزمنية المهمة، تجسد على الخشبة تلك اللوحات مختصرة مراحل عمرية للصديقين، ومعبرةً كل واحدة منها عن (لعبة، فصل ناقص) يرتكبه (رامي) بحرفية ومنتهى الأريحية.‏‏

مزاوجة الحدث التاريخي مع الحدث الآخر الذي تقوم به الشخصية، تحتمل هي الأخرى رمزية محبوكة بدقة..‏‏

فبينما تنقضي على البلاد أحداث ضخمة تغير في مسير تاريخها.‏‏

ينشغل البعض (بتظبيط) صفقاتهم الخاصة.. مستغلين حتى الهم الوطني العام أو مستثمرين إياه. حصداً لمزيد من المصالح والمنافع الخاصة كما في المشهد الذي يخطب فيه (رامي) بموظفيه بعد تسلمه منصباً كبيراً، مزاوداً.. متاجراً.. بأهم هموم الشعب العربي (فلسطين)، تغطية على تمريراته المشبوهة.‏‏

على الرغم من أن عرض (نور العيون) يأتي مقتبساً إلا أن المتلقي لن يشعر بوجود ما يوحي بذاك الاقتباس، دليلاً على إحاطة كاملة بتفاصيل وظروف ومناخات النص في لغته الأم، ونقلها دون أي ثغرات تشعر بوجود فروقات ما بين اللغتين، المنقول عنها وإليها.‏‏

سينوغرافياً...‏‏

اعتمد العرض قطع ديكور خشبية متحركة جعلت بوظائف مختلفة ومتعددة تتناسب وتنوع اللوحات، استغنت تلك القطع عن أي زخرفات فهي مغطاة بقماش (أكياس الخيش) وليغلب اللون البني عليها، لون واحد طبع المشهدية البصرية.. هل كان ذلك حفاظاً على حالة معنوية واحدة تطبع ذهن المتلقي تأثيراً برؤية عينية؟‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية