تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ثقافـة الاختلاف والحوار.. طريـق للبنـاء والتفاعـل ..لا نفهمـــه ولا نتقبـــل حـــواره..مشــــــكلة.. ماســـــــببها ومــاالســـــبيل لحلهــــا..؟

ثقافة
الاثنين 21-10-2013
هفاف ميهوب

«واجبُ الإنسان يكمن في تفهُّمِ المبادئ الأخرى والاعتراف بالآخر, ويؤلمني أن أجد غالبية الناس يجهلونَ أو لا يلمّون بالمبادئ المذهبية والأخلاقية والاجتماعية لغيرهم,

وعلى هذا الأساس, يقف بعضهم من بعضٍ مواقف متناقضة وعدائية, فكلَّما زادت المعرفة بآراء الآخرين ومبادئهم, زادت المحبة والوعي والانسجام.. لذا, كان الفعل المنفتح دليلاً أو سبيلاً إلى اللاعنف»..‏‏

كلماتٌ, قالها الباحث والمفكر «ندرة اليازجي» وبما أراد منه التعبير عن كيفيةِ استيعابِ الآخر المختلف عنا بآرائه وأفكاره, وبالحوار الذي أثبتت الأحداث الأخيرة عدم قدرتنا على تقبله أو فهمه, ولأسبابٍ منها ما ورد فيما قاله هذا المفكِّر, ومنها ما قال عنه بعض الأدباء والباحثين والتشكيليين, ممن أجابوا ولدى سؤالنا عن السبيل لحلِّ هذه المشكلة, وعن الطرق التي تمكِّننا من الإنصاتِ للآخر وتقبّل حواره..‏‏

أيسر ميداني - خبيرة في المعلوماتية والتغيير:‏‏

تراكماتٌ أضيفَ لها.. الجهل والمعتقدات الخاطئة‏‏

أعتقد بأن عدم قدرتنا على قبول الحوار مع الآخر, يعودُ إلى عدة أسباب أولها, عدم تعوّدنا على النقاش الذي لم نعتد عليه أصلاً, ولأننا لم نعوِّد عقلنا ومنذُ فترة طويلة على الانفتاح وتقبّل الحوار والنقاش والعمل السياسي, وهو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه من فقدان القدرة على تقديم حججٍ تساعدنا على فهمِ أو تقبِّل رأي الآخر..‏‏

إذاً, السبب الأساسي يعود إلى ماضينا, وتقريباً قبل السبعينيات, حيث ندرَ الحوار أو انعدم في المنزل والمدرسة وصولاً إلى المنابر السياسية والاجتماعية, وبما جعلنا غير قادرين على النقاش, وأصبح تفكيرنا ثنائي القطبين.‏‏

هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى امتلكنا من المعتقدات التي لا حجّة كافية لتبيان الخطأ أو الصواب فيها, ما جعل كل واحد فينا يعتقد بأن الحقيقة لديه وحده, وبأن الآخر لا يملكها, وبما يجعل من الصعب عليه تقبل رأي الآخر أو التفاهم معه..‏‏

أيضاً, ومن ناحية ثالثة, علينا ألا ننسى أن الشعب السوري كله, وبالرغم من تفنّنه في الحديث عن الديمقراطية, إلا أنه وبكلِّ ممارساته وانطلاقاً من طفولته, لم يعتدْ إلا على ما تربى عليه من ديكتاتورية لا مجال فيها لنقاشٍ أو تفسيرٍ أو حوار..‏‏

نعم, هي تراكماتٌ تاريخية أضيف لها الجهل, وعدم امتلاك الشخص لأدوات الحوار التي تمنعه من اللجوء إلى العنف.. هي التربية, التي لم تؤهله لإمكانية النقاش وإنما فقط للتنفيذ, وهكذا إلى أن كبر وسعى لفرضِ رأيه دون تقبل نقاش الآخر... تماماً كما فعل أهله معه.‏‏

أريد أن أنوِّه, إلى أن الفكر الديني أيضاً, قد لعبَ الدور الأكبر في جعلنا عاجزين عن استيعاب أو تقبُّل هكذا حوار, وبسبب فهم الدين بطريقة خاطئة أو جاهلة, وبما نجم عنه وضع مسلماتٍ لا تقبل النقاش بأي شكلٍ من الأشكال.. mبكلِّ الأحوال, إن الخروج من هذه المشكلة يحتاج وبالدرجة الأولى, إلى احترام الآخر أولاً ومن ثمَّ سماعه والتسليم بضرورة التحاور معه حتى وإن لم نتقبَّل رأيه, فواجبنا انتقاد رأيه لا شخصه, وإبقاءِ الحوار على مستوى الرأي والفكر, وفي حال عدم الاقتناع برأيه, علينا تقديم حجج مقنعة واعتماداً على مصادرٍ موثوقة, وبما يغني المعرفة, وهو ما نفتقده للأسف في مجتمعاتنا..‏‏

علينا البدء بذلك بالتعاون مع المؤسسات الاجتماعية والثقافية والفكرية, وهي مهمة تقع أيضاً على عاتق المدارس والمعاهد والجامعات.. على عاتق الإعلام بكلِّ مؤسساته وأشكاله التي منها المقروء والمسموع والدعائي, مع مسؤولية أهل الفكر والفن والثقافة والإبداع.. أيضاً, على عاتق الأسرة التي يعود لها الدور الأهم في تدريب فكرِ أطفالها على الانسجام مع رؤى وأفكار الآخرين, وبتوعيتهم وتشجيعهم على اعتناق منهج اجتماعي منطقي..‏‏

باختصار, مجتمعاتنا بحاجة إلى تغيير وتطوير جذري, وعبر كل الوسائل التربوية والإعلامية والثقافية والفنية والإبداعية والمسرحية والإخراجية والموسيقية والتشكيلية.. الخ..‏‏

أيمن الحسن - روائي وقاص:‏‏

لأننا تربَّينا.. على صوتٍ واحدٍ علينا إطاعته‏‏

جيدٌ, أن نعترف أن لدينا إشكالية عدم قبول الآخر وبالتالي الحوار معه, لأن هذا يعني ضمنياً, ضرورة هذا الآخر, وعدم إمكانيةِ الاستغناء أو التنازل عنه, وبالتالي الحوار -الذي يشذِّب الاختلاف ولا يلغيه.. يعزِّز الذات ويُغنيها-.. إذاً, حتى أحاور لابدَّ أن أثق بنفسي وأتحلى بشجاعةِ أنني جديرٌ بهذا الحوار مع هذا الآخر, - دفعاً لحياتنا المشتركة باتجاه الأمام والأفضل.‏‏

لكن, كيف نقبل حوار الآخر ونحن لم نترب على ذلك, أقصد ثقافة الحوار, فمنذُ الصغر في الأسرة العربية, صوتُ الأب أو الأخ هو السائد والسيد - في حالاتٍ خاصة صوت الأم- بمعنى, أن صوتاً واحداً يُسمع ويُطاع, دون أن نعيش حواراً ما, مابين والدينا. اللهم, إلا ما ندرَ ويبقى هامشياً ولا يُجذِّر الحالة في أعماقنا..‏‏

لندخل إلى المدرسة بعد البيت, ونحن في نعومة الوعي, فإذا الصوت السيد هو صوت الأستاذ الذي لا يقبل اعتراضاً, حتى لو كان ما يقوله الآخر /الطالب/ صواباً واضحاً.‏‏

نعم, عرفتُ خلال مراحل دراستي معلمينَ يعتبرون طلابهم أقل مستوىً من أن يحاوروهم, وصولاً إلى الجامعة حيث الدكتور وهو السيد الذي لا يقبل أمره أخذاً ولا يُردّ..‏‏

عرَّفوا لنا الحوار, بأنه الكلام المتبادل بين شخصين أو أكثر, مع أن حكيماً مثَّله بالمقارنة التالية: معك تفاحة ومعي تفاحة, قسمناهما إلى أربعة أنصاف, أعطيتكَ نصف تفاحتي وأعطيتني نصف تفاحتك. النتيجة, أنك أبقيتَ معكَ تفاحة «نصفين» ومعي مثلكَ.. بينما الحوار, أن تكون لديك فكرة ولديَّ فكرة أخرى, وبعد الحوار يصبح لديك فكرتان اثنتان ولديَّ مثلك..‏‏

إذاً, الحوار إغناءٌ.. بهذا المعنى أفهمه وبهذا المعنى افتقدناه حين كنّا نتصارع ونحن زملاءٌ على مقاعد الدراسة «بعثيين, ماركسيين, ناصريين وغيرهم».. ذلك أننا كنّا نبحث عن الاختلافات ما بيننا لا عن المشتركات. هذه المشتركات التي أعتقد أنها كثيرة, لا يجلوها إلا الحوار, وعدم الركون كما في زمنِ طفولة عقولنا وإدراكنا القاصر, إلى فكرة الإقصاء, بل الإنماءِ باتجاه الأفضل والأحسن دوماً لتطوير الحياة, وعليه, فالحل العملي لقبولِ الآخر والحوار معه, يبدأ من البيت والأسرة, ثم أن نعيد النظر بمناهجنا الدراسية, لجعلها تتضمن الحوار, كأسلوبِ حياةٍ في التعامل مابين المواطنين على تنوعهم وتعدّد انتماءاتهم ومشاربهم, بحثاً عن حلولٍ لمشكلاتهم مهما كانت, وعبر الحوار..‏‏

كحلٍ إسعافي, أقترح «شعببة المسرح» أي جعله شعبياً, ليصل إلى كلِّ مكان في بلدنا الحبيبة سورية, ولأنه الأقدر على إشاعة ثقافة الحوار, وربما ما تشهده الساحة السورية الآن, يشبه ما كنَّا عليه صغاراً متصابيين, متصادمين, يبحث كلٌّ منا عن فرصته للإطاحة بالآخر الذي اختلف معه, لأن هذه الانتماءات أيامها, كانت مصبوغة باعتبارات قبلية أو عشائرية, وحتى عائلية, وهنا أقول: إن أي انتماءٍ مهما كان, إذا لم يكن متجذِّراً في تربة الوطن, وشاملاً لكلِّ مكوناته وأطيافه, هو انتماءٌ مشبوه.‏‏

أخيراً, قال أحد الفلاسفة: «تكلَّم حتى أراك».. وأقول الآن: «حاورني حتى نرى بعضنا بوضوحٍ, ونلتقي معاً نحو سورية أفضل وأحلى»..‏‏

محمود سالم - تشكيلي ومصور وثائقي:‏‏

لم نعتدْ على حوارِ الآخر.. بقوةِ العقل والمحبة‏‏

أقول وبكل صراحة, بأن سبب ما يحصل في سورية والوطن العربي من أحداثٍ نأسف لها, هو عدم قدرتنا على قبول حوار الآخر منذ زمن بعيد, وهذا ما جعل الأعداء يترصَّدون لنا ومن ثمَّ ينقضون علينا بكل الطرق التي ادَّعوا بأنها ستكون عبر الديمقراطية, وحقوق الإنسان..‏‏

نعم, هذا سبب ما يحصل في عالمنا من أحداثٍ مفجعة, ولو قبلنا منذُ البداية بالحوارِ مع الأخر وسماع وجهة نظره حتى وإن كانت خاطئة, لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه لطالما, في الحوار نستطيع أن نحل نصف المشكلة مهما كانت عصيبة, وهذا له تسمية في علم النفس. أي عندما تقبل أنتَ بأن تتحاور حتى مع عدوك, تكون قد سيطرت على نصف المشكلة, وحل نصف المشكلة المتبقي, يعود لك ويفرض عليك معرفة كيفَ ومتى تقود الحوار. بمعنى, أن تبادر لطرح المواضيع الساخنة والحساسة, شرط أن تبقى مسيطراً على الموقف وليس بالضرورة عن طريق القوة, فبإمكانكَ أن تسيطر على قبيلة بأكملها, إن امتلكتَ دراية عميقة بها.‏‏

طبعاً, يصحُّ هذا, عندما تكون على معرفةٍ كاملة بأخبار القبيلة وأحوالها, وبعد متابعتكَ لشؤونها, ودون الاعتماد على جهة واحدة ترفدكَ بما تحتاجه من معلومات.. عليك فعل ذلك, خشية أن تضلِّلك هذه الجهة لغايةٍ أو هدفٍ في نفسها..‏‏

أعتقد بأن الحل الوحيد التي نتمكن به من تجاوز كل المشاكل التي تعترضنا, هو تقبُّل الحوار مع الآخر, ومحاولة استيعابنا لرأيهِ ودراسة المطلوب من اقتراحاته, مع وضع كل الحلول والخيارات المتاحة أمامنا على طاولة الحوار.. أما أخطر شيءٍ في هكذا حوار, فهو أن نتنازل ونمنح الطرف الآخر كل ما يطلبه, وبفترة زمنية قصيرة, فهنا لابدَّ أن يشعر, ومهما امتلكنا من قوة, بأننا قبلنا الحوار وتنازلنا, لأننا ضعفاء لا أقوياء بما نملك من فكرٍ هو العقل الذي يرشدنا إلى خيرِ ومحبةِ وسلامِ البشرية..‏‏

عيَّاد عيد - مترجم:‏‏

التكنولوجيا أيضاً.. تغرزُ بالعقولِ ما يمنعُ الحوار‏‏

إن جوهر الأزمة التي تمر بها سورية, هو منع الحوار, ولأن أي شكلٍ من أشكال الحوار وسواء على المستوى العام أو الخاص, هو بداية الطريق لحل الأزمة. لذلك, من يسعى إلى تأجيج الأزمة واستمرارها, يضع نصب عينيه منع الحوار بين السوريين.‏‏

أيضاً, إن التكنولوجيا التي تُستخدم لمنع الحوار, متعددة وواسعة الطيف, وتبدأ من وسائل الإعلام التي تعمل وحسب علم النفس الاجتماعي ومعطيات العلم الحديثة, والمغريات الإعلامية المعاصرة, على غرار صورٍ نمطية وترسيخها في عقول الناس, بحيث تمنع الحوار بين أفراد المجتمع, وتؤجج الانفعالات على مستوى كل فرد, وليس بالضرورة شرائح كبرى..‏‏

حتماً, هم يريدون إعاقة الحوار, ومن الطبيعي أن نسعى إليه دائماً, وبتجاوز المصلحة الشخصية, ولا شك أن فئات المعارضة التي اتّخذت نهج محاربة المجتمع والدولة على المستوى الشخصي, هي الأكثر تضرُّراً من انعدام الحلِّ, وعلى كل شخص أن يرى بأن واجبه إخراج سورية من المحنة أن يسعى إلى ذلك حتى ولو ضمن نطاق محيطه الشخصي, وعليه ألا يتَّكل على المؤسسات أو الدولة, وأتصوَّر أننا بهذا, نكون قد وضعنا الحوار في سياقه الطبيعي, وبالبدءِ فيه من القاعدة والفرد, وصولاً إلى الأعلى حيث تقع المسؤولية على عاتق الجميع.‏‏

‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية