تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل يمكن لي أن أكون (الآخر).. وهو يكون (أنا)..؟

ثقافة
الاثنين 21-10-2013
 سجيع قرقماز

في كل حرب ٍ من حروب الأرض هناك معركة ٌ بين (صديق ٍ وعدو) وهو مختلف ٌ من وجهتي النظر التي ننظر منها إلى المعركة أو الحرب، فالعدو من طرفنا صديق ٌ في الطرف الآخر والعكس صحيح ٌ،

والسؤال هل يمكن إطلاق كلمتي (عدو وصديق) بشكل مجرد لتكون واحدة ً عند الطرفين ؟ بالتأكيد لا، لأن العالم كله يدور في ازدواجية ٍ ليست واحدة ً من منظور الرؤيا بل مختلفة ً كلياً، وحتى عندما لا يكون طرف ٌ ما متورط ٌ بالحرب الدائرة فهو لا يمكن أن يكون حياديا ً تماما ً، فهو مع هذا الطرف أو ذاك إلى درجة ٍ معينة.‏‏

هل يمكن أن نتحاور أنا وأنت ؟‏‏

لا يمكن لي أن أكون (الآخر) و لا يمكن له أن يكون (أنا)، لكن يمكن أن نتحاور، كي نصل إلى محاولة فهم ٍ مشترك، ونتعايش سوية ً و معا ً، ونتقبل واحدنا الآخر، في عيش ٍ مشترك ٍ يكون الأفضل للحياة الإنسانية، بدل أن يكون الصراع هو الفاصل بيننا، أو الحكم في علاقاتنا الإنسانية.‏‏

وهل فعلنا ذلك ؟‏‏

للأسف الشديد فإن هذا الكلام النظري ليس هو السائد ولا المتعارف عليه لا اليوم، ولا في الأمس، ولا في فجر التكوين، خاصة ً إذا ما أخذنا في الاعتبار أول (صدام ٍ) أو لنسمه (اختلاف مصالح ٍ) بين أول بشريين كانا ناتج حواء وآدم،وهما اللذان كانا موضوع أول جريمة ٍ إنسانية ٍ في التاريخ، وكأن من خلق هذا العالم - مفتتحا ً بالجريمة والعقاب، وقبلها بالإغواء والعذاب - قصد بذلك أنه محتم ٌ على الكون أن يعيش في صراع ٍ دائم ٍ، وحرب ٍ مستمرة ٍ بين بني البشر حتى النهاية.‏‏

هل نكون متشائمين إذا بدأنا بهذه الأفكار، أو نكون واقعيين ؟‏‏

وهل أن الديالكتيك الذي يحكم نشأة الكون (إذا كنا علمانيين) مستمر ٌ في العلاقات الإنسانية، ليستمر الصراع بين البشر أيضا ً، كي يستمر الكون وكي يبقى العالم و ويزدهر الإنسان !‏‏

وما دمنا نتحدث عن الديالكتيك - ووفقا ً لمبدئه - فإنه غالبا ً ما ينتج مادة ً جديدة ً لا تختلف عن جوهر العناصر المكونة لها، وإن أخذت أشكالا ً جديدة ً في تكوينها. من هنا العودة إلى قضية إعادة تشكيل العالم بين فترة ٍ وأخرى، وهذا ما يؤدي إلى الصراعات الدائمة، التي لن ندخل في تفاصيلها.‏‏

لكن ذلك سيقودنا إلى السؤال الأهم:‏‏

لماذا لم ننجح في الحوار مع الآخر ؟ ومن هو هذا الآخر ؟ إذ بتحديده يمكن تحديد إمكانية الحوار، وبالتالي نجاح هذا الحوار أو عدمه ؟ فإذا كان هذا الآخر صديقا ً ً (ليكن معارضا ً سياسيا ً لم يلجأ إلى العنف في حياته، أو خصما ً فكريا ً) ألا يمكن لنا محاورته ؟ والوصول إلى فهم ٍ مشترك ٍ بيننا، يجنبنا الصراع، ويفتح آفاق التفاهم والعمل بيننا ؟‏‏

أما إذا كان هذا الآخر عدوا ً (ليكن العدو الإسرائيلي أو الأمريكي، أو الأجانب والعرب و داعميهم ممن يقاتلون الجيش العربي السوري اليوم). فالحوار الوحيد يتم بالتصدي لهم، و مواجهتهم بالطريقة التي بدؤوا فيها عدوانهم أو إرهابهم، ومن ثم فإن أي حوار ٍ لن يكون إلا من خلال آلية ٍ دولية ٍ تضمن حقنا الرسمي العربي السوري كبلد ٍ عضو ٍ دائم ٍ في الأمم المتحدة يعتدى عليه.‏‏

وفي إعادة ٍ للسؤال الأخطر في تاريخ الإنسانية:‏‏

ألا يمكن إعادة تشكيل هذا العالم، دون الخوض في الموت والدمار‏‏

ورفض الآخر، وتكفيره، وتهجيره،وعدم قبوله‏‏

وهل هذا هو الحل الوحيد ؟‏‏

وهل هذه هي فعلا ً البداية - منذ فجر التاريخ - أم أن هناك فترات لاحقة يمكن أن تشكل الجذر الأول والأهم لهذه المشكلة التي صارت الأهم والأخطر في العالم. ؟ هل يتحمل الإنسان المسؤولية، أم أن الله خلقنا هكذا؟ هل تولد هذه المعضلة في تقبل أو عدم تقبل الآخر معنا، أم نكتسبها تدريجيا ً من خلال العقائد والأعراف والعادات التي نعيشها؟ وهل يتحمل المجتمع الجزء الأهم منها، أم أن الأديان باختلافاتها، وتنوعاتها، بمؤيديها ومعارضيها، هي المسؤولة عنها ؟‏‏

سأركز على مسألة الأديان هنا - ولن أدخل في تفاصيل الخلافات من داخلها، وحولها، بين مختلف الأديان والطوائف - بل سأركز على ما يمكن أن يجمع وأقول:‏‏

إن التعامل مع الدين في هذا السياق يجب أن يقود إلى تقبل الآخر من خلال احترام (الأنا) والذات الإنسانية التي خلقها الله، والتي تقود بالتالي إلى احترام (الآخر) وذاته الإنسانية التي خلقها الله أيضا ً، ووفقا ً للشرائع كلها - وهي التي تقاتل بعضها وتنسى الله، بل وتقتل في معظم الأحيان (بسم الله، والله أكبر) وكأن الله خلقها من أجل القتل فقط.!‏‏

وهذا لا نراه في عصرنا الحالي بل نراه أيضا ً في جذور التاريخ. وهناك أسباب ٌ قادت إليه في المنطقة بدءا ً من أفغانستان مرورا ً بالعراق وسورية، وصولا ً إلى..‏‏

لكن هل يمكن للأديان أن تلعب دورا ً إيجابيا ً في هذا المجال ؟‏‏

إنه لمن الأساسي أن يعلم الأطفال بدءا ً من المراحل الأولى من التعليم،ليس فقط ما هو الدين، بل كيف يتطور بالضرورة إلى أديان مختلفة، كل ٌ منها يتملى في الأشياء من وجهة نظره،وجميعها منحدر ٌ من حاجة ٍ نفسية ٍ جوهرية ٍ ومشتركة في طبيعتنا، لكننا لا نستطيع إظهارها إلا حسب رؤى ومشاعر وقواعد سلوك ٍ مختلفة ٍ.‏‏

وبالتالي يكون الدين رابطا ً لا حافزا ً للانكماش والتعصب، ويكون جامعا ً لا مفرقا ً بين مختلف الديانات والطوائف المكونة لهذه الديانات:‏‏

« ربما يساهم تعليم ٌ ذكي ٌ ومبكر ٌ لتاريخ الأديان في تعطيل التعصب.لذلك أنا كبوذي، ومقتنع ٌ كليا ً ببوذيتي، وأنت كمسلم ومقتنع ٌ بإسلامك، من منا سيبت بالأمر ؟ في الحقيقة، ربما يكون صعبا ً، عندما نكون مؤمنين إلى هذه الدرجة بقيمة نظريتنا، ألا نسعى لفرضها على الآخرين: بينما ليس علينا سوى أن نعرضها عليهم بأمانة ٍ لأن ما أجده صحيحا ً كليا ً، صحيح ٌ دون شك، ولكن بالنسبة لي: وإذا قال جاري عن قناعاته الخاصة،وفكر بها بالطريقة ذاتها فلن نتقاتل أبدا ً !‏‏

أما إذا تشبث كل ٌ منا برأيه وموقفه، فلن يكون إلا الحرب والتعصب والقتل، ونكران الآخر، أما إذا تآلفنا منذ الطفولة مع المكانة الحقيقية للدين في الثقافة،ومع تعدد الأديان، إضافة ً إلى تعدد الثقافات الإنسانية الحقيقية، والاحترام الجوهري والكلي للآخر، عندها يصبح العالم قرية ً كونية ً حقيقية ً تعيش كأسرة ٍ واحدة ٍ، وهذا الشكل الأسمى للحياة لن يتحقق إلا نظريا ً من خلال (يوتوبيا) الكتاب والفنانين والمثقفين لا أكثر.‏‏

من هنا يبدو أن عدم نجاحي أحينا ً في محاورتك، وعدم قدرتك على مواجهتي، مكتوب ٌ عليه الفشل بسبب ٍ من التناقض الطبيعي الذي نعزوه إلى (الديالكتيك) وهذا طبيعي.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية