تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفرصة الدبلوماسية أمام أميركا

عن واشنطن بوست
شؤون سياسية
الاثنين 21-10-2013
 ترجمة: ليندا سكوتي

يبدو أن الرئيس باراك أوباما قد أخذ بالتوجه نحو منعطف هام في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، الأمر الذي حدا بالبعض للتساؤل إن كان في مساره هذا يحاكي الرؤساء الذين سبقوه وأقدموا على الانفتاح في السابق على الصين

أو وضعهم حداً للحرب الباردة التي استمرت عدة عقود، ومهما قيل في هذا الشأن فإن ثمة فرصة متاحة لتحقيق ما يصبو إليه، حيث تبين بأن ما كان يعتبر ضرباً من الخيال قبل بضع شهور حيال العلاقة مع إيران وسورية قد بات اليوم أمراً واضح المعالم وذلك عندما عمد أوباما إلى إجراء محادثات مباشرة مع الرئيس حسن روحاني بشأن البحث في اتفاقية تحد من البرنامج النووي الإيراني واتفق وروسيا على خطة يتم بها تدمير الترسانة النووية السورية.‏

إزاء ما جرى من تغييرات دبلوماسية مع دول تعتبر معادية للولايات المتحدة رأى بعض المراقبين بأن ما يجري على أرض الواقع يعطي الدليل على ضعف الموقف الأميركي لدرجة الاستسلام، لكننا نرى بأنهم مخطئون في اعتقادهم هذا ذلك لأن الولايات المتحدة ستكون أكثر قوة ومنعة في حال تمكنها من وضع أطر جديدة للأمن في الشرق الأوسط وتشرك إيران في وضع أسسه الأمر الذي يؤدي إلى نزع فتيل الصراعات التي تهدد المنطقة برمتها. لكن إجراء مثل هذا التغيير قد أخذ يثير الخيفة والتوجس لدى البعض لأن هذا التوجه يتم من قبل رئيس ينظر إليه باعتباره ضعيف في الداخل والخارج.‏

إن البراعة التكتيكية في لحظات استراتيجية حاسمة لها أهمية كبرى، وهذا درس تعلمته من الأسلوب الذي اتبعه كل من ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر عندما وضعا الأسس للانفتاح على الصين في مطلع السبعينيات من القرن الماضي والرؤساء رونالد ريغان وجورج دبليو بوش (وبرنت سكوكرفت وجيمس بيكر) عندما وضعوا الأطر لإنهاء الحرب الباردة في أواخر الثمانينيات الأمر الذي عبّد الطريق لإجراء تغيير في السياسات والخطوط التي دأبت الولايات المتحدة عليها على مدى عدة أجيال.‏

لقد قامت كل من إدارة نيكسون وبوش وريغان بتصرف بارع في إدارة الاتصالات عندما ترافق الانفتاح على الصين بإجراء حوار منظم مع الاتحاد السوفيتي، مع الاستمرار في التواصل مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا الذين أصابهم القلق من التحديات التي يبديها الصقور في عهد ريغان لموسكو ومن دفع بوش لتوحيد ألمانيا لذلك كنا نشهد الدبلوماسيين الأميركيين يغادرون واشنطن على متن الطائرات في كل أسبوع تقريبا لطمأنة حلفائهم الأوروبيين.‏

إن تحقيق التقارب مع إيران يتطلب من أوباما التوصل إلى اتفاقية تتضمن تعهد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بعدم تصنيع القنبلة النووية وتحول دون حدوث أي اختراق سريع في هذا المجال، بحيث تكتفي إيران بالتوصل إلى مستوى معين لتخصيب اليورانيوم وتحديد مخزوناتها الاحتياطية من اليورانيوم المخصب مع الالتزام بمعدلات تخصيب منخفضة وذلك بغية جعل إيران تحتاج إلى أشهر عديدة لتصنيع القنبلة النووية مما يمكّن الولايات المتحدة وإسرائيل خلالها في أخذ حذرهما إزاء ذلك. وبالمقابل يتم الاتفاق على قبول الغرب بحق إيران بالقيام بعملية التخصيب وفق أطر محددة.‏

لم تعد عناصر الصفقة مع إيران خافية على أحد لذلك يلاحظ بأن الولايات المتحدة لم تكتف ببحث هذا الأمر مع شركائها في التفاوض (وهم مجموعة 5+1 التي تضم بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا) بل أجرت اتصالاتها مع الدول المجاورة لإيران مثل المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات وتركيا إضافة لإسرائيل. وبتقديرنا فإن أوباما سيعمد إلى دعوة عدد من القادة الإقليميين إلى كامب ديفيد في خريف هذا العام لدراسة الأسس الأمنية التي يجب إرسائها في الخليج.‏

ولا ريب بأن التنسيق الإقليمي سيكون أكثر أهمية لمعالجة الوضع في سورية لاسيما في ضوء ما يقوم به السعوديون والقطريون من مواصلة ضخ الأموال للمعارضة السورية التي تسيطر عليها مجموعات جهادية لان المقاتلين الأجانب يسارعون في الذهاب إلى سورية بغية الانضمام إلى الجهاد الممول بسخاء على نحو واسع وكبير من تلك الدول، حيث تؤكد المعلومات بأنه يوجد على الأراضي السورية في الوقت الحاضر 100 مقاتل بريطاني، وأكثر من 130 فرنسياً، وأكثر من 100 استرالي وسعوديين يتجاوز عددهم 800. وذلك يعتبر أمرا خطيرا يجب أخذه بعين الاعتبار.‏

إن معالجة المعضلة السورية القائمة لن تتم إلا عبر مفاوضات يزمع إجراؤها في جنيف لتحقيق انتقال سياسي برعاية من الولايات المتحدة وروسيا وفي الأحوال التي تتمكن بها كافة الأطراف بما فيها إيران من الاتفاق فعندها سيكون بالإمكان البدء بمعالجة المعضلة السورية. لذلك يتعين على المسؤولين الأميركيين التنسيق والدفع السياسي سرا وعلنا نحو جنيف لأن ترك هذه المرحلة السياسية الدقيقة بعهدة المملكة العربية السعودية وقطر اللتان ما انفكتا تضع شيكات مفتوحة للجهاديين سيعتبر أمرا في منتهى الحماقة والغباء ولن يزيد المشكلة إلا تعقيدا.‏

وإزاء ما ذكر أنفا، يتعين على أوباما ووزير خارجيته جون كيري الاستمرار بإجراء الاتصالات التي تمكّن الولايات المتحدة من التوصل إلى نتائج ملموسة تستطيع من خلالها جعل إيران تخفف من التطلعات الثورية التي وضعتها في عام 1979، وتُلزم المملكة العربية السعودية بالتوقف عن معاداة ومحاربة إيران وسورية، وأن تعمل ما بوسعها لوضع إطار إقليمي جديد يستوعب الحاجات الإقليمية لكل من الإيرانيين والسعوديين والإسرائيليين والروس والأميركيين. ولا ريب بأنها فرصة استراتيجية هامة لكنها تتطلب توجهات دبلوماسية بارعة وحازمة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية